كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

- صلى الله عليه وسلم - لقى جبريل عليه السلام- فقال: إني أرسلت إلى أمة فيهم الشيخ الكبير، والعجوز، والغلام، والخادم، والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط! فقال: إن القرآن نزل على سبعة أحرف).
قلت: فقد تبين لنا مما رويناه- ومما هو في معناه- أن القرآن الأول رخص لهم في القراءة على ما تيسر لهم من اللغات العربية، وأن القرآن نزل بجميع ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تارة في المبدأ الأول [37/أ]، وأخرى في سنى الوحى إبان العرض؛ على ما صح في الحديث؛ (إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني العام مرتين).
وعلمنا من الأحاديث التي وردت في هذا الباب: أن الصحابة كانوا يقرءونه على اختلاف الألفاظ وتوافق المعاني، والدليل على أنهم كانوا يقرءونه على هذا النحو: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ (سورة الفرقان) على خير ما أقرؤها عليه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها؛ فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه؛ فجئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت إني سمعت هذا يقرأ (سورة الفرقان) على خير ما أقرأتنيها؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اقرأ)، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هكذا أنزلت)، ثم قال لي (اقرأ)، فقرأت، فقال: (هكذا أنزلت؛ إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف؛ فاقرءوا ما تيسر منه).
وحديث أبي رضي الله عنه قال: قرأ أبي آية، وقرأ ابن مسعود خلافها، وقرأ رجل آخر بخلافهما؛ فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: ألم تقرأ آية كذا وكذا: كذا وكذا! وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا وكذا: كذا وكذا؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم محسن مجمل).
وحديث أبي جميم الأنصاري رضي الله عنه، قال: إن رجلين اختلفا في آية من القرآن؛ فقال هذا: تلقنتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! وقال الآخر: تلقنتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فسألا رسول الله عنها؟ فقال رسول الله: (إن القرآن نزل على سبعة أحرف؛ فلا تماروا في القرآن؛ فإن المراء فيه كفر).
وحديث ابن مسعود: (إني قد سمعت القراءة)، فوجدتهم متقاربين؛ فاقرءوا كما علمتم؛ إنما هو كقول أحدكم هلم، وتعال، وأقبل!).
فإن قيل: فهل يجوز اليوم لأحدنا أن يقرأ على ذلك؟
فالجواب أن نقول: كان الأمر على ذلك زمان نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعده إلى إمرة عثمان رضي الله عنه، فكان كل منهم يقرؤه على ما انتهى إليه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ممن سمع منه، وكانوا لا يتعدون المسموع، ولم يكن أحد منهم ليجعل أحد الحرفين- المختلفين في اللفظ المتفقين في المعنى- مكان الآخر من تلقاء نفسه، وما كان ينبغي له!
ولما كان مقتل أهل اليمامة، واستشهد بها القبيل من فضلاء الصحابة- أشار عمر على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن شفقا على ذهابه بذهاب حملته [37/ب]، فتحرج أبو بكر- رضي الله عنه- عن ذلك، ثم شرح الله صدره للذي شرح له صدر عمر؛ فأمر زيد بن ثابت بجمع؛ فإنه كان كاتب الوحى،

الصفحة 113