كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

وقد أخذه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجمعه على وفاق من الشيخين منضما إلى علمه وحفظه شهادة الأثبات من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد كان المجموع كله في صحيفة واحدة عند عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فلما استشهد، أخذته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، فقدم حذيفة- رضي الله عنه- في خلافة عثمان- رضي الله عنه- عن غزوة غزاها بثغر أرمينية فدخل عليه، وقال: يا أمير المؤمنين! أدرك الناس!! فقال: وما ذاك؟! فقال: غزوت فرج أرمينية، فحضرها أهل العراق، وأهل الشام؛ فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق؛ فيكفرهم أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام؛ فيكفرهم أهل الشام!
فأمر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يكتب له مصحفا، وقال: إني جاعل معك رجلا لبيبا فصيحا، فجما اجتمعتما فيه: فاكتباه، وما اختلفتما فيه: فارفعاه إلى.
قلت: وإنما أراد بالاجتماع والاختلاف: على اللفظ. وفيه القسم الذي أتى نظيره في الحديث؛ وذلك يتعلق برسم الخط فيما يكتب بالألف، أو بالواو، أو بالياء، أو بالتاء، وإلحاق النون بلفظ المنون، وغير ذلك من أخواتها التي ينبئ عنا رسم الخط في المصحف الإمام.
رجعنا إلى ما بدأنا به من الحديث، قال: فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص، فلما بلغ: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} فقال زيد: (التابوه)، وقال أبان: (التابوت)؛ فرفعا ذلك إلى عثمان؛ فكتب: (التابوت).
قال زيد: ثم عرضت المصحف عرضة أخرى؛ فلم أجد فيه شيئا، وأرسل عثمان إلى حفصة: أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها؛ فأعطته، فعرضت المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء.
قلت: وقد وجدت في بعض الروايات: أن الصحيفة كان عمر- رضي الله عنه- كتبها بعد أن جمعها زيد، ثم إن عثمان- رضي الله عنه- أمر الناس أن يكتبوا المصاحف، وبعث بالنسخ إلى بلاد الإسلام؛ فاجتمع الناس على ما جمعه زيد، بأمر أبي بكر، واستصواب عمر رضي الله عنهما، ومشهد من فضلاء الصحابة وأمر عثمان- رضي الله عنه- بمحو ما عداه؛ رفعا للخلاف.
وكان من بقى من قراء الصحابة على قراءته، حتى انقرض زمانهم، وتركت قراءته، حتى انقرض زمانهم، وتركت قراءتهم، ولم يبق من لحروف المختلف فيها [38/أ] على نهج التواتر إلا شيء لم يخالف رقوم المصحف، وبقى المختلف فيه من: الإدغام، والإمالة، والوقف، وغير ذلك- من القسم المشترك الذي اشتهر عند القراء السبعة؛ لاتصال سنده على أصله معزورا به، وما عدا ذلك: فإنه متروك لا يقرأ، ولا يحتج به؛ لفقدان الضرورة التي دعت إليه من أول الوهلة؛ لسقوط الرواية عنه، وعدم التواتر فيه. وهذه العلة هي التي نعتمد عليها في ترك القراءات التي تخالف نظم المصحف المجمع عليه.

الصفحة 114