كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

ولقد تجاوزنا عن مقدار الضرورة في بيان هذا الحديث، وإنما سلكنا هذا المسلك بالتماس بعض الراغبين، وقد سألنا أن نبسط له القول في بيانه، ونتركه على منهاج واحد؛ فأسعفنا بحاجته؛ احتسابا للأجر، وادخارا لصالح الدعاء، والله الموفق لإصابة الحق.
وفيه: (لكل آية منها ظهر وبطن) الظهر: ما ظهر تأويله، وعرف معناه، والبطن: ما بطن تفسيره، وأشكل فحواه؛ فظهره لفظه، وبطنه معناه.
وقيل: قصصها في الظاهر أخبار؛ وفي الباطن اعتبار. ويحتمل أن يكون المراد من الظهر: التلاوة والرواية، ومن البطن الفهم والدراية.
وفيه: (ولكل حد مطلع): ذكر بعض الحفاظ- في تفسيره- أن الحد في التلاوة: ألا يجاوز المصحف، وفي التفسير: المسموع قال، والمطلع: المصعد الذي يصعد إليه في معرفة علمه.
قلت: وهذا معنى لا يطابق اللفظ، ولا يكاد يلتئم، ولعله قول سقط عنه من غير روية، وإنما المراد بـ (الحد) - ههنا- ما شرع. الله تعالى لعباده، قال الله سبحانه: {وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} أي: أحكامه، وقيل: حقائقه ومعانيه، والمطلع: المأتى والمصعد. وقال الأصمعي: هو موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار؛ ومنه الحديث: (لا فتديت به من هول المطلع)؛ شبه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك.
والمعنى: أن لكل حد من حدود الله- وهي ما شرعها لعباده من أحكام الدين- موضع اطلاع من القرآن؛ فمن وفق أن يرتقى ذلك المرتقى، اطلع منه على الحد الذي يتعلق بذلك المطلع، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي رزق الارتقاء إلى مطلع كل حد من القرآن.
وقد قال بعض العلماء: إن عامة سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - راجعة إلى القرآن، ولا يقف العلماء على أصل كل شيء منها من القرآن؛ ولكنهم على طبقاتهم ومنازلهم في العلم والفهم. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدرك من معاني الوحي ما لا يبلغه فهم غيره.
[174] ومنه: حديث [38/ب] عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (العلم ثلاثة ... الحديث).
أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (آية محكمة): فقد سبق بيان المحكم فيما مضى.

الصفحة 115