كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

منه، وقلما يتجاوز عن الحد الذي يجزئ فيه التمسح بالأحجار أو غيره، أما المذي فإنه يسيل من غير اختيار ثم يتفاحش بامتساس الثوب، ويحتمل أنهن كانوا لا يتنزهون عن المذي تنزههم عن البول ولا يرونه بمثابة البول في التغليز، فأمرهم بغسل المذاكير تنبيها على أنه في سائر الأحكام ملحق بالبول.
[196] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (توضئوا مما مست النار)، أصل التوضؤ من الوضاءة وهو الحسن والنظافة، والوضوء كان مستعملا في كلامهم، وكانوا يستعملونه في عضو واحد، كما كانوا يستعملونه في سائر الأطراف، فلما جاء الله بالإسلام استعمل في الطهارة المعتد بها في الشرع.
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (توضئوا) محمول على المعنى المتعارف قبل الإسلام، وهو الوضوء على معنى النظافة ونفي الزهومة، دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه، ولو قدر أن المراد منه الوضوء المعتد به في الشرع، فإن الأمر به محمول على معنى الاستحباب دون الإيجاب، ومن الدليل على ذلك حديث ابن عباس- رضي الله عنه- الذي يتلوا هذا الحديث. وحديث المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه: (ضفت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فأمر بجدى فشوى فأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ماله تربت يداه فقام يصلى).
وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر برجل وبرمته على النار فقال أطابت برمتكم، قال نعم بأبي أنت وأمي، فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة)، وفي قول الشيخ في كتابه: هذا منسوخ- فيه نظر؛ لأن النسخ إنما يطلق على الحكم الثابث الظاهر، وهذا شيء لم يثبت ثبوتا بينا، فكيف يعارض بالنسخ وأكثر الفقهاء من ذوي النظر والفهم يأولون الحديث وما يناسبه في هذه المسألة على ما ذكرناه، ومن خالفهم فيه من أصحاب الحديث فإنه يقول بظاهر الحديث. [42/أ].
[197] ومنه حديث جابر بن سمرة- رضي الله عنه- (أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيتوضأ من لحوم الغنم ... الحديث) إنما فرق بين الأمرين في الصورتين لما في لحوم الإبل من الزهومة الغالبة عليها ولما فيها من الشراد والاستعصاء. وفي هذا الحديث أيضا دليل على المعنى الذي ذكرناه في قوله - صلى الله عليه وسلم - (توضئوا مما مست النار).

الصفحة 125