كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

[241] ومنه: قول أميمة بنت رقيقة في حديثها: (كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان ...) الحديث العيدان جمع عود [46/ب] (.....) كالأعواد، وإنما جمعته إرادة لبيان الجنس أي مما يتخذ من العيدان ويعمل.
[242] ومنه: قول المؤلف- بعد حديث عمر- رضي الله عنه: (قد صح عن حذيفة- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم، فبال قائما).
قلت: أورد هذا الحديث مورد الناسخ لحديث عمر- رضي الله عنه.
والأظهر: أن النهي عن البول قائما باق على ما كان، وإنما بال قائما حين أتى سباطة قوم، وهو: ملقى التراب والقمام ونحوه؛ لأنه لم يجد للعقود مكانا؛ فاضطر إلى القيام؛ لأن السباطة لا تمكن الشخص من القعود، إلا إذا جعل الطرف المرتفع منها وراء ظهره، وحينئذ: تبدو للمارة عورته، وإن استقبلها بوجهة، خيف عليه أن يقع على ظهره، مع احتمال ارتداد البول على وجهه.
وإضافة السباطة إلى القوم ليست بإضافة ملك، بل كانت في ديارهم ومحلتهم، وكانت مواتا مباحة.
وقد قيل: إن العرب كانت تستشفى بالبول قائما لوجع الصلب؛ فيمكن أنه بال قائما لعلة به إذ ذاك من وجع الصلب.
وتعليل حديث حذيفة بما بدأنا بذكر أولى من تعليله بهذا القول؛ لأنه الأظهر.
وأما بوله قائما لعلة به فقد رواه أبو هريرة، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال قائما لجرح بمآبضه، والمآبض: باطن الركبة من كل دابة؛ فالبول قائما منهى عنه، إلا إذا كان لعذر، ففي حديث حذيفة، والمغيرة بن شعبة: يحمل الأمر على ما ذكرنا من العلة؛ لأنها علة مستخرجة من نفس الحديث، والعلة في حديث أبي هريرة: مذكورة فيه، وقد وجدنا في حديث آخر: أن عمر- رضي الله عنه- بال قائما، وقال: البول قائما أحصن للدبر؛ فلابد أن يكون فعله هذا مقترنا بعذر؛ لأنه من جملة رواة حديث النهي عن [46/ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن ليخالفه به، فيحمل ما روى عنه أنه بال قائما على أنه كان على حال لم يأمن معها استرخاء، ويدل على ما ذكرناه قوله: البول قائما أحصن للدبر، هذا هو الوجة لئلا يلزم من وجه يخالفه تعطيل أحد الخبرين والله أعلم.

الصفحة 139