كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

والمراد من بيتوتة الشيطان عليه- والله أعلم- أن الإنسان إذا نام تعلق الخشام بخيشومه ويبس عليه المخاط حتى تنسد مجاري الأنفاس منه وينقطع عن الدماغ ما كان يجده من الراحة باستنشاق الهواء فيكون في رقدته كالمعذب في يقظته فتتغير الطبيعة عن حالها ويتعرض له الشيطان بما يكرهه من أضعاث الأحلام وإذا هب من نومه حب لقس النفس متعوب الطبيعة ولا تستقيم له القراءة في الصلاة مع ترك الخيشوم على تلك الحالة، لأنها تمنع عن تأدية الحروف من مخارجها على شرط الصحة فأمره بالاستنثار لإزالة هذه العوارض وصار ذلك الموضع بيته؛ لأنه يستحلى تلك القواطع التي يتمكن منها هناك وذلك مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - حكاية عن الشيطان إذا دخل البيت الذي لم يذكر اسم الله فيه على الطعام: (أدركتم العشاء والمبيت) ويحتمل وجها آخر وهو أن الإنسان ما دام متيقظا وسوس إليه الشيطان بطريق ما يرد على السمع ويتراءى للبصر ويترقب الفرصة منه عند النطق، إلى غير ذلك من الأحوال فإذا نام انسدت [48/ب] فيه تلك المداخل ولم يبق إلا مدخل النفس من الخيشوم فيترصد هنالك للتعرض له بما يؤذيه ثم إن الخيشوم باب مفتوح إلى قبة الدماغ وفيه محل القسوة المتخيلة التي هي مناط الرؤيا الصالحة ومثار الأحلام الكاذبة، فلا يزال بائتا دون ذلك الباب يعبث ينفخه ونفثه في عالم الخيال فرأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يمحو باستعمال الطهور المبارك على وجه التعبد آثار تلك النفخات والنفثات عن مجاري الأنفاس والله أعلم.
وتقرينا الكلام على الوجهين من طريق الاحتمال وحق الأدب دون الكلمات النبوية التي هي مخازن أسرار الربوبية ومعادن الحكم الإلهية أن لا يقطع في ذا الحديث وأخواته بشيء فإن الله تعالى خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غراب المعاني وكاشف من حقائق الأشياء بما يقصر عن بيانه باع الفهم ويكل عن إدراكه بصر العقل والله أعلم.
[256] ومنه: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (رأي أقواما وأعقابهم تلوح ... الحديث. كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبر وأتقى من أن يتساهلوا في أمر الدين حتى يفضى بهم ذلك إلى ترك الواجب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم فالظاهر أن القوم المذكورين في الحديث كانوا قوما حديثا عهدهم بالإسلام من سكان البوادي وجفاة الأعراب تجوزوا في غسل أرجلهم

الصفحة 144