كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

غيرهما من الصلوات، أو ترخيصا لتأخيرها عن أوقاتها، وإنما أمر بأدائهما في الوقت المختار، والمحافظة عليهما في جماعة؛ لما فيهما من الفضل والزيادة في الأجر؛ فإن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار؛ قال الله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا}، وصلاة العصر: هي الصلاة الوسطى؛ نص عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، ويجتمع فيها- أيضا- ملائكة الليل وملائكة النهار.
ثم إن إحداهما تقام في وقت تثاقل النفوس؛ لتراكم الغفلة، واستيلاء النوم، والأخرى تقام عند قيام الأسواق في البلدان، واشتغال الناس بالمعاملات؛ فنبه المكلفين على هذه المعاني بزيادة تأكيد؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى البردين، دخل الجنة).
وهذا الذي ذكرناه من طريق المفهوم في تفسير هذا الحديث- معظمه مذكور في حديث فضالة؛ فإنه لما قال له: النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حافظ على الصلوات)، قال: إن هذه ساعات لي فيها أشغال؛ فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته، جزي عني؟ فقال: (حافظ على العصرين)، وقد علم - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا حافظ عليهما- مع ما في وقتهما من الشواغل [67/أ] والقواطع- لم يكن ليضيع غيرهما من الصلوات، والأمر في إقامة ذلك أيسر.
[411] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء).
أي: لا تتعرضوا لمن صلى الصبح، ولا تعاملوه بمكروه؛ فإنه في ذمة الله، فمتى فعلتم ذلك، تعرضتم لمطالبة الله إياكم بنقض عهده، وإخفار ذمته.
ويحتمل وجها آخر، وهو: أن يراد بـ (الذمة): نفس الصلاة من حيث إنا الموجبة للذمة، أي: لا تضيعوا صلاة الصبح، ولا تتهاونوا بشيء منها؛ فيطلبنكم الله به.
وفي سائر النسخ: وجدنا بعد هذا الحديث: (رواه جندب القشيري)؛ وهو غلط؛ والراوي هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العقلي، وعلقة: بطن من بجيلة؛ كذاك نسبه أصحاب الحديث في كتب المعارف.
قلت: في بجيلة بطن يسمى قسرا، وهم رهط خالد بن عبد الله القسري: فيحتمل أنه نسب إليها؛ فيصحف بـ (القشيري) غير أني لم أجد في شيء من كتب أصحاب الحديث؛ أنه ينسب إلى قسر.
[412] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إلا أن يستهموا ...).

الصفحة 188