كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

معنى إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليهود والنصارى صنيعهم هذا مخرج على وجهين:
أحدهما: أنهم كانوا يسجدون لقبور الأنبياء؛ تعظيما لهم.
والثاني: أنهم كانوا يتحرون [71/أ] الصلاة في مدافن الأنبياء، والسجود على مقابرهم، والتوجه إلى قبورهم حالة الصلاة؛ نظرا منهم بأن ذلك الصنيع أعظم موقعا عند الله؛ لاشتماله على الأمرين: عبادة الله سبحانه، والمبالغة في تعظيم الأنبياء.
وذهابا إلى أن تلك البقاع أحق البقاع بإقامة الصلاة، والتوسل بالعبادة فيها إلى الله؛ لاختصاصها بقبور الأنبياء.
وكلا الطريقين غير مرضية:
أما الأولى: فلأنها من الشرك الجلي.
وأما الثانية: فلأنها متضمنة معنى الإشراك في عبادة الله؛ حيث أتى بها على صيغة الاشتراك والتبعية للمخلوق.
والدليل على تقرير الوجهين: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم! لا تجعل قبري وثنا يعبد؛ اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، والوجه الأول أشبه به.
وأما نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن الصلاة في المقابر: فإنه لمعنيين:
أحدهما: لمشابهة ذلك الفعل سنة اليهود وإن كان القصدان مختلفين.
والثاني: لما يتضمنه من الشرك الخفي؛ حيث أتى في عبادة الله بما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له.
وهذا الحديث حجة على من يرى أن علة النهي عن الصلاة في المقابر هي النجاسة الحاصلة بالنبش؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن اليهود على صنيعهم ذلك، ثم نهى أمته عن الصلاة في المقابر، نهيا متسقا على ما ذكره من اليهود؛ أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ ومن الواضح المعلوم: أن قبور الأنبياء- عليهم السلام- لا تنبش، ولو نبشت لم يزدها ذلك إلا طهارة، وقد نزه الله تعالى أقدارهم عن ذلك، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء، الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)، وثبت: (أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)؛ فالنهي- في الحديث- على الإطلاق، من غير تفصيل بين المنبوش وغير المنبوش.
فعلمنا أن علة النهي ما ذكرناه.
والصلاة في المواضع المتبركة بها من مقابر الصالحين: داخلة في جملة هذا النهي، لاسيما إذا كان الباعث عليها تعظيم هؤلاء، وتخصيص تلك المواضع؛ لما أشرنا إليه من الشرك الخفي.
فأما إذا وجد بقربها موضع بني للصلاة، أو مكان يسلم المصلي فيه عن التوجه إلى القبور، فإنه في

الصفحة 204