كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

فسحة من الأمر، وكذلك إذا صلى في موضع قد اشتهر بأن فيه مدفن نبي، ولم ير للقبر فيه علما، ولم يكن ما ذكرناه من العمل الملتبس بالشرك الخفي؛ إذ قد تواطأت أخبار الأمم على أن مدفن [71/ب] إسماعيل- عليه السلام- في المسجد الحرام عند الحطيم، وهذاك المسجد أفضل مكان تتحرى الصلاة فيه.
[479] ومنه: حديث ابن عمر- رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا): الحديث محتمل لمعان:
أحدها: أن القبور هي التي لا يصلى فيها؛ لأنها مساكن الأموات الذين سقط عنهم التكليف، وسد عنهم باب العمل، فأما البيوت: فصلوا فيها؛ إذ أنتم أحياء مكلفون ممكنون عن العمل.
وثانيها: أنكم نهيتم عن الصلاة في المقابر؛ فلا تتركوا الصلاة في منازلكم؛ فتكونوا قد شبهتم منازلكم بالمقابر.
وثالثها: أن مثل الذاكر والذي لا يذكر الله: ضرب بالحي والميت، والأحياء يسكنون البيوت، والأموات يسكنون القبور؛ فالذي لا يصلي في بيته جعل بيته بمنزلة القبر؛ كما جعل نفسه بمنزلة الميت.
ورابعها: وقد ذكره أبو سليمان الخطابي- أن يكون معناه: لا تجعلوا بيوتكم أوطانا للنوم لا تصلون فيها؛ فإن النوم أخو الموت.
وقد حمل بعض الناس قوله: (ولا تتخذوها قبورا): على النهي عن الدفن في البيوت؛ وذلك ذهاب عما يقتضيه نسق الكلام إلى ما ورد بخلافه إجماع الصحابة- رضي الله عنهم- حيث دفنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة- رضي الله عنها.
(ومن الحسان)
[481] حديث أبي هريرة- رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بين المشرق والمغرب قبلة): الحد الأول

الصفحة 205