كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

رضي الله عنه- قول الله تعالي: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)؛ فعمد إلى عقالين أسود وأبيض، فوضعهما تحت وساده، ولما سمع به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنك لعريض الوساد)، وفي بعض طرقه: (لعريض القفا).
وقد رأى بعض أهل العلم الجمع بين الحديثين؛ فقال: البعث غير الحشر؛ فقد يجوز أن يكون البعث مع الثياب، والحشر على العرى والحفا ولم يصنع شيئاً؛ فإنه ظن أنه نصر السنة، وقد ضيع أكثر مما حفظه؛ فإنه سعى في تحريف سنن كثيرة؛ ليسوى كلام أبي سعيد، وأبو سعيد لو سمع بهذا، لم ير إلا إتباعه، كيف وقد روينا عن أفضل الصحابة وأعلمهم وأقربهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهاجاً ومنزلة؛ انه أوصى أن يكفن في ثوبيه، وقال: (إنما هما للمهل والتراب)، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في ثيابه التي يموت فيها). وليس لهم أن يحملوها على الأكفان؛ لأن الإنسان إنما يكفن بعد الموت.
[1118] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (خير الكفن الحلة).
الحلل: برود اليمن، والحلة 132] /أ [إزار ورداء لا يسمى حلة حتى تكون ثوبين؛ وبذلك ورد الحديث، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً عليه حلة قد اتزر بأحدهما، وارتدى بالآخر، وقد اختلف أقاويل الصحابة في اختيار الحلة، والأكثرون على أن الثياب البيض أفضل من الحلة؛ لأن الله تعالى اختارها لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنه أمرهم أن يكفنوا فيها موتاهم؛ فقال: (وكفنوا فيها موتاكم)؛ رواه ابن عباس، وهو حديث حسن صحيح، والعمل به أولى من العمل بحديث عبادة.
ويحتمل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير الكفن الحلة)؛ لأنها كانت يومئذ أيسر عليهم، وأراد: أنها من خير الكفن.
وزعم بعضهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن فيها، وليس الأمر على ما توهم، وقد بين ذلك مسلم في (كتابه)؛ فروى بإسناده عن عائشة رضي الله عنه؛ أنها قالت: (أدرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حلة يمنية كانت لعبدالله بن أبي بكر، ثم نزعت عنه، فكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص، فرفع عبدالله الحلة، فقال: أكفن فيها، ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكفن فيها؛ فتصدق بها)، وفي رواية: (لو رضيها الله لنبيه، لكفنه فيها).
قلت: وعبدالله بن أبي بكر شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الطائف، فرمي بسهم، وكان -يومئذ- وجعاً يترقب الموت؛ ولهذا قال: (أكفن فيها)؛ فدمل جرحه حتى انتقض به، فمات منه في السنة الأولى من خلافة أبيه -رضي الله عنهما-.

الصفحة 388