كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

الأهواء المضاه [لأن مذهب القدرية يضاهي من بعض الوجوه مذهب الثنوية في القول بالأصلين وهما النور والظلمة فإضافة الخير في الفعل إلى النور وإضافة الشر إلى الظلمة، وفي تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بالتصديق بهذه الجملة متمسك لمن يذهب إلى تكفير القدرية قياساً على ما يقدمه من الأصول. وأكثر السلف يتنزهون عن إطلاق القول بذلك وهو الصواب؛ لأنهم تشبثوا بشبه أسندوها إلى ظواهر بعض النصوص واستدلوا على إثبات ما ذهبوا إليه بتأويلات زائغة عن منهج الحق زينت لهم واستحكمت في نفوسهم وليس الأمر في التكذيب بما سواه من الأصول التي ذكرت في الحديث كذلك.
قلت: وفي سياق هذا الحديث على هذه الرواية- على ما روى في المصابيح- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر على وتيرة واحدة عطفاً للاسم على الاسم من غير فاصلة فلما انتهى إلى ذكر القدر كرر لفظ الإيمان فقال وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ولم يقل والقدر خيره وشره نوع من التنبيه على المعنى الذي أشير إليه والله أعلم.
قوله عليه السلام فأخبرني عن الإسلام. الإسلام الانقياد للحق والإذعان له بقبول الشرائع والتزام الفرائض على أنها صواب وحكمة وعدل وهو في الحقيقي إظهار الطاعة لمن آمن به والإتباع لمن آمن به ولابد لإظهار الطاعة من أن يكون مسبوقاً بالتصديق على ما ذكرنا حتى يصح قبول الشرائع عن الله وعن رسوله فلهذا بدأ جبريل عليه السلام بالسؤال عن الإيمان ثم أردفه بالسؤال عن الإسلام مقترناً بفاء التعقيب ليفيد المعنى الذي أشير إليه، فسأل عما يقتضيه الإيمان بالله وبرسوله وبما أخبر الرسول عنه من إعلان كلمة التوحيد وقبول الأمر وإظهار الطاعة وهو الإسلام وأمهات أصوله الأركان الخمسة التي اخبر عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال (فأخبرني عن الإحسان) وذلك أن المؤمن بالله ورسوله، وبما أخبر هو عنه إذا قام بقبول الأمر وإظهار الطاعة فينبغي أن يطالب نفسه بالاستقامة على حسب الطاقة ببذل المجهود في إخلاص العبادة لوجه الله الكريم ومجانبة الشرك الخفي والعبادة لله الذي لا تنبغي العبادة إلا له على [...] والتعظيم حتى كأنه ينظر إلى الله فرقاً منه وحياء وخضوعاً له وإجلالا وإلى ذلك أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم - (اعبد الله كأنك تراه) ولقد وجدت في المتأخرين زماناً ومنزلة ممن أفضى به جهله بأصول الدين وعلوم الشريعة إلى القول بإثبات رؤية الله تعالى للأولياء وخواص المؤمنين في هذه الدار الفانية من يظن أن له متمسكا في قوله - صلى الله عليه وسلم - (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذا قول زائغ ومذهب باطل لعدم التوقيف في جوازه ودلالة النص على خلافه وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (فإنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت) وقوله - صلى الله عليه وسلم - (الموت قبل لقاء الله) الحديث الأول رواه أبو أمامة والثاني الذي روته عائشة- رضي الله عنها- وكلا الحديثين صحيح أخرجه مسلم في جامعة وهذا المتوهم الذي دحض في قوله أتته المحنة من قبل جهله بوجوه كلام العرب فظن أن في قوله (فإن لم تكن تراه) دليلا على جواز أنه يراه فلم يفهم المراد منه والنبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بهذا القول إرشاد العباد إلى رعاية حق التعظيم في عبادته واستشعار الخوف منه والتوجه إليه على حال اليقين حتى كأنهم ينظرون إليه وإلى

الصفحة 39