كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

فإن قيل: فماذا تصنعون بحديث ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)؟: قلنا: نقول: إن هذا الحديث نحمله على الميت الذي أوصى بالنياحة، والحديث الآخر محتمل للوجهين.
[1177] ومنه: حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أنا برئ ممن حلق وسلق وخرق)، وفي رواية: (ليس منا) أي: ليس من أهل سنتنا من حلق) أراد به: من حلق شعره عند المصيبة: إذا حلت به، و (سلق) أي: رفع صوته بالبكاء والنوح، وسلقه بالكلام سلقاً أي: آذاه به، وهو شدة القول باللسان، ونقل عن ابن جريح أنه قال: هو أن تمرش المرأة وجهها وتصكه، ولعله أخذ من قول بعض العرب: (سلقه بالوط): إذا نزع جلده، و (سلقت اللحم عن العظم): إذا انتحيته، ومنه قيل للذئبة: سلقة، السالقة: المرأة التي ترفع صوتها بالصراخ عن المصيبة.
وقوله: (خرق) أي: شق ثوبه على المصيبة، وكان ذلك في أغلب الأحوال من صنيع النساء، وفي (كتاب البخاري) من رواية أبي موسى: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة والحالقة والشاقة).
[1178] ومنه: حديث أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب ... الحديث):
الحسب: الفعال الحسن للرجل ولآبائه؛ مأخوذ من الحساب، إذ حسبوا مناقبهم وعدوها؛ فالحسب: العد، والمعدود: حسب.
ومعنى هذا الكلام: أن الأشياء الأربعة من أمر الجاهلية تدوم في أمتي، وأراد: أن الأمة بأسرهم لا يتركونها تركهم لغيرها من سنن أهل الجاهلية؛ إن تركها طائفة تمس بها آخرون.

الصفحة 403