كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

فمن ذلك: الفخر والتفاخر، ومعناه: التكبر والتعاظم من الرجل بعد مناقبه ومآثر آبائه، والفخر: المباهاة في الأشياء، الخارجة عن الإنسان، كالمال والجاه.
وقوله: (في الأحساب) أي: في شأن الأحساب، وفي الحديث: (كرم الرجل: دينه، وحسبه خلقه)، وفي ذلك نفى ما كان عليه أهل الجاهلية، وفيه تنبيه على أن الحسب الذي يحمد به الإنسان: ما تحلى به من خصال الخير في نفسه، لا ما يعده من الأشياء الخارجة عنه.
وفيه: (والطعن في الأناب):
يحتمل: أن يراد به الطعن بالدعوة والدعوى في النسب، والظاهر: أن المراد منه الطعن فيمن ينسب إليه حجيج الطاعن؛ فينسب آباءه وذويه عند المساجلة والمساماة إلى الخمول والخساسة والغموض والانحطاط؛ لأنه ذكر [136/ب] في مقابلة الفخر في الأحساب.
وفيه: (الاستسقاء بالنجوم):
أي: طلب السقيا، وتوقع الأمطار عند وقوع النجوم في الأنواء، وفي معناه الحديث: (مطرنا بنوء كذا). وفيه: النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيام وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب).
قوله: (قبل موتها):
أي: قبل حضور موتها، وإنما قيدها هذا التقييد ليعلم أن من شرط التوبة أن يتوب التائب وهو يأمل البقاء، ويمكن أن يتأتى منه العمل الذي يتوب منه؛ ومصداق ذلك في كتاب الله: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}.
وقوله: (تقام): يحتمل أنها تحشر، ويحتمل أنها تقام على تلك الحال بين أهل النار وأهل الموقف؛ جزاء على قيامها في المناحة؛ وهو أمثل وأشبه:
وقوله: (عليها سربال من قطران): ورد بمثله التنزيل: {سرابيلهم من قطران} إبراهيم: 50، والقطران بكسر الطاء: هناء تهنأ به الإبل الجربى؛ فيحرق بحدته وحرارته الجرب، ويتخذ ذلك من الأبهل، وهو حمل شجرة العرعر، فيطبخ، ثم يهنأ به، وسكون الطاء وفتح القاف وكسرها: لغة فيه.
وقد أوعد الله تعالى المستكبرين عن عبادته أن يعذبهم بذلك، لمعان أربعة: للذعه وحرقته، واشتعال النار فيه وإسراعها في المطلي به، وسواد لونه بحيث تشمئز عنه النفوس، ونتن رائحته؛ فيطلى به جلودهم حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل؛ أنهم كانوا يستكبرون عن عبادته؛ فألبسهم لباس الخزى والهوان.
وهذا الوعيد- في الحديث- يختص بالنائحة لمعنى آخر سوى ما ذكرنا، وهو أنا النائحة كانت تلبس الثياب السود في المأتم؛ فألبسها الله قميصاً من قطران؛ لتذوق وبال أمرها.
وقوله: (ودرع من جرب).
أي: يسلط عليها الجرب، فيغطي جلدها تغطية الدرع، ويلتزق بها التزاقة، فيجمع لها بين حدة القطران وحرارته وحرقته ونتنه وسواده واشتعاله، وبين الجرب الذي يمزق الجلد، ويقطع اللحم؛ كما تجمع المرأة بين القميص والدرع.

الصفحة 404