كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

وقوله: (ومثلها):
أي: في كونه فريضة عام آخر، ولم يرد به المثلية في الأسنان والمقادير؛ فإن ذلك بزيادة المال ونقصانه، ولا يعرف ذلك إلا بعد دخول عام آخر، وقد روى في معناه عن علي- رضي الله عنه- في قصة عمر بن الخطاب والعباس- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: (أما علمت أنا كنا احتجنا فاستلفنا العباس صدقته عامين؟!)؛ ذكر ذلك في كتب الفقهاء مسنداً، وفيه مقال.
وقد روى البخاري هذا الحديث عن ابن اسحاق، وفي روايته تلك: (وهي على ومثلها)؛ قال أبو عبيد: أرى- والله أعلم- أنه كان أخر عنه الصدقة عامين لحاجة العباس إليها؛ فإنه قد يجوز للإمام أن يؤخرها إذا كان ذلك على وجه النظر، ثم يأخذها بعد ذلك!
ويخرج معنى قوله: (فهي على ومثلها معها) على التأويل الذي ذهب إليه أبو عبيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول على صيغة التكفل بما يتوجه عليه من صدقة عامين، وهو تأويل حسن لما فيه من التوافق في المعنى بين الحديثين.
فإن قيل: كيف التوفيق بين ما روى أن العباس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته وبين هذا التأويل؟:
قلنا: يحتمل أنه سأل التأخير في أول الأمر، وقد وجدنا في الحديث ما يؤيد ذلك، وهو أنه لما أسر ببدر، أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفدي [139/ب] نفسه وابني أخويه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث من ماله؛ فشق عليه ذلك، فوعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد إسلامه: أن يخوله من مال الله ما يسد به خلته، فعله سأل التأخير [قبل] نزول فريضة الزكاة ولما وسع الله عليه وأغناه من فضله، سأل التعجيل ليجبر به نقيصة التأخير، وقد روى البخاري هذا الحديث عن أبي اليمان، عن شعيب، وفي روايته: (وهي على صدقة ومثلها معها) وقد توبع شعيب في روايته هذه على هذا السياق؛ فالظاهر: أنه وهم فيه؛ فإن العباس كان من صليبة بني هاشم، وقد حرم الله عليهم أوساخ الناس، وفي بعض طرق هذا الحديث: عن موسى بن عقبة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: (فهي له ومثلها معها) وهذا- أيضاً- محمول على أن بعض الرواه وهم فيه.
وقد قال الخطابي: (فهي له) أي: عليه، قال: وقد جاء في كلامهم: (له) بمعنى (عليه)، قال الله تعالى: {أولئك لهم اللعنة} الرعد:25 أي: عليهم.
قلت: ولأن نضرب عن هذه الرواية صفحاً- مع ما فيها من الاختلاف البين- أولى وأجدر من أن نقول بهذا التأويل؛ فإن (له) و (عليه) كلمتان تستعملان على وجه التضاد، ولو جوزنا ذلك- في هذا الحديث- أفضى بنا غلى تعطيل أصول اللغة العربية التي عليها مدار الكتاب والسنة، واستشهاد أبي سليمان بقوله تعالى: {أولئك لهم اللعنة} غير مستقيم، فإن الكلمتين في هذه الصيغة- وإن خلفا في اللفظ- فإنهما يتفقان في المعنى، ومعنى قوله: {أولئك لهم اللعنة} أي: حق لهم ووجب؛ كقوله: {ولهم سوء الدار}.

الصفحة 414