كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

وبين هذا القول هو أنه لما فهم من تكبير عمر- رضي الله عنه- استبشاره برفع الحرج عن الأمة في اقتناء المال ودعته إذا زكى ولم يرض منهم بالتوسع في ذلك، بل اختار لهم التقلل والاكتفاء بالبلغة، وترك الفضول-: أشار إليهم أن تقنعوا من الانتفاع بمتاع الدنيا مع بقاء العين بالمرأة الصالحة؛ وفي هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة).
وفي هذا الحديث أبلغ زاجر عن جمع المال وحياطته لمن تدبره، وهو: إن متاعاً خيره المرأة- مع ما يلزم الإنسان في ذلك من الواجبات والحقوق الشرعية، والمحافظة على آداب الصحبة، والتورع عما يأثم به من ذلك، ثم الصبر على عوجها، والإعراض عن هناتها؛ لنقصان عقلها- لحرى بالمبادرة إلى تركه، والمسارعة إلى تخلية اليد عنه.
[1208] ومنه: حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا جلب ولا جنب ... الحديث).
الجلب المنهي عنه في الصدقة: هو ألا يأتي المصدق القوم في مياههم لأخذ الصدقات، ولكن يأمرهم بجلب نعمهم (140/ب)، ويقال: بل هو الجلب في الرهان، وهو أن يركب فرسه رجلاً فإذا قرب النهاية تبع فرسه فجلب عليه وصاح به، ليكون هو السابق، وهو ضرب من الخديعة وهذا تفسير صحيح من طريق اللغة، والمراد منه في الحديث هو الأول لما بينته بقية الحديث وذلك قوله: (وإنما تؤخذ صدقاتهم في دورهم)، ولعل الذي فسره على الجلب في الرهان لم يبلغه الحديث بتمامه، أو قال هذا القول في حديث آخر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام) فأما الذي جعله أحد [شقي] هذا الحديث فإنه لم يصب لما قد ذكرنا من التعليل، وعلى هذا فإن الجنب في هذا الحديث هو أن أصحاب الأموال لا يجنبون عن مواضعهم فيشق في المصدق متابعتهم. على هذا الوجه فسروه.
ويحتمل أن يكون من قولهم: جنبت الدابة، إذا قدتها إلى جنبك، أي لا يذهب المصدق بالقوم

الصفحة 417