كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

والنضير دون ما يجب فيه العشر خاصة بحكم الزكاة، وذلك لأن ما وجب فيه العشر لم يؤخذ منه الثلث، فأما أرض خيبر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل يهود خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وما حط عنه الثلث لقوله: (فدعوا الثلث) فإن شطر ما بقى ثلثاً آخر، فسواء في هذه الصورة قوله: (فجذوا الثلث). وقوله (فدعوا الثلث) كان شطر ما بقى آخر، فسواء سمع الراوي كلا الروايتين أو احديهما. وأما وجه الأمر بحط الثلث فلما تختزنه الأكلة [144/ب] وتنتابه العافية، ولما وقع على الأرض من السقطات، وقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للخراص- إذا بعثهم- (احتاطوا لأهل الأموال في النابتة والواطئة).
قلت: الواطئة، قيل: إنها السابلة، وقيل: فاعلة بمعنى مفعولة، أي: الموطوءة وهي الساقطة وقد ذكر أبو داود في كتابه بعد هذا الحديث أن الخارص يدع الثلث للخرفة كذلك.
قال يحي القطان: وقد اختلف العلماء في إثبات الخرص والعمل به، فأما الذاهبون إليه فإنهم استدلوا بهذا الحديث وحديث عائشة وابن عمر وعتاب بن أسيد وجابر رضي الله عنهم، وقالوا: إن الصحابة عملوا به بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما من أبي تجويزه والعمل به، فإنه يقول: قد روينا عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن الخرص)، وقد اتفق المسلمون على أن بيع الرطب بالتمر نسيئة غير جائز، وفي ذلك تمليك رب المال ما وجب في ماله من حق الله رطباً بمكيلته تمراً نسيئة.
وفي حديث رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن بيع المزابنة التمر بالتمر إلا لأصحاب العرايا، فإنه قد أذن لهم، وعن بيع العنب بالزبيب، وعن كل تمر بخرصه.
وكان الشعبي ينكر الخرص، وهو من كبار التابعين بالكوفة [....] الصحابة.
وفي حديث سهل بن أبي حثمة: (فدعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) فكيف العمل به، وليس لرب المال أن يعطي دون ما وجب عليه، ولا للعامل أن يأخذ منه فوق ما وجب عليه.
ثم إنا نرى الأمر بخلاف ذلك في غيره من الحقوق الشرعية، فعلينا أن نأول أحاديث الخرص على وجه نبين به تلك القواعد؛ فمن قائل من أهل هذه المقالة: أن الخرص شرع قبل تحريم الربا، وكان العمل بالظن والتخمين في أمثال ذلك جائزاً يومئذ، فلما حرمت الربا نسخ ذلك، وهذا التأويل غير مستبعد لولا حديث عتاب بن أسيد فإنه من مسلمة الفتح، والربا كانت يومئذ محرمة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة في خطبته: (وربا الجاهلية موضوعة).
ومنهم من يقول: إنما أمر بالخرص تخويفاً للأكرة وأجراء النخيل وأحراسها والقائمين بأمرها كيلا يخونوا.
وقد كان - صلى الله عليه وسلم - عامل يهود خيبر فكان يبعث إليهم عبد الله بن رواحة ليخرصها عليهم؛ لأنهم كانوا فجاراً خونة يستحلون مال الله، وهذا أمثل المقولين.

الصفحة 426