كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

قال أبو جعفر الطحاوي: إنما أريد بالخرص الذي أمر به ابن رواحة أن يعلم مقدار ما في أيدي كل قوم فيؤخذ منهم بقدره وقت الصرام، لا أن يملكوا شيئاً مما يجب لله فيه ببدل لا يزول ذلك البدل عنهم، وكيف يجوز ذلك ويحتمل أن يصيب الثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها بدلاً مما لم يسلم له.
قال: وكذلك نقول في حديث عتاب بن أسيد وغيره [145/أ].
[1231] ومنه حديث أورده عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مرسلاً (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع لبلال بن الحارث المزني المعادن القبلية ..) الحديث.
أقطعه الإمام قطيعة أي طائفة من أرض الخراج، والإقطاع يكون تمليكاً وغير تمليك.
وكان عمر- رضي الله عنه- يرى أن الإقطاع من الإمام ليس على وجه التمليك لم يقطع له إنما هو على وجه الإرفاق والإمتاع، ولهذا قال لبلال بن الحارث المزني: ما أقطعك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقيق (لتحتجنه) فأقطعة الناس، ومعنى قوله: (لتحتجنه) أي: تحوزه وتمتلكه، دون الناس.
والمعادن القبلية: المحفوظ عند أصحاب الحديث بفتح القاف والباء، وكسر اللام. وزعم بعضهم أنها منسوبة إلى قبائل العرب، من قولهم: رجل قبلي، إذا نسب إليها، وقيل: القبلية منسوبة إلى ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام، وقيل: القبلية موضع بعينه من ناحية الفرع، والفرع موضع بأعالي المدينة واسع، وفيه مساجد للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبه قرى كثيرة، وهو بين الحرمين، وفي كتاب الأمكنة: القبلية بكسر القاف بعدها باء مفتوحة، والعقيق الذي ذكر في حديث عمر- رضي الله عنه- هو الذي ذكر في هذا الحديث بالمعادن القبلية، وفيه بئر على مقربة منه، وهو من بلاد مزينة، ولفظ الحديث على ما وجدناه: (أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها، وحيث يصلح للزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم).
وحديث بلال هذا سمعناه من كتاب المعجم الكبير لأبي القاسم الطبراني بإسناده إلى بلال بن الحارث، وفي بعض ألفاظه اختلاف.
وقوله: (جلسيها وغوريها) أي ما ارتفع منها وما انخفض. والجليس: الغليظ من الأرض، ومنه جمل جلس وناقة جلس، أي: وثيقة والجلس أيضاً نجد وإياه عنى في الحديث، وقوله: (من قدس) هو الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة، وقيل: هو جبل.
قال الجوهري: (وقدس) بالتسكين جبل عظيم بأرض نجد، وفي كتاب الأمكنة: (وحيث يصلح الزرع من قريس)، قال: وقرس وقريس جبلان قرب المدينة.

الصفحة 427