كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

[75] ومنه حديث علي- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة .. الحديث) المبهم الذي ورد عليه البيان من هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أنه بين أن القدر في حق العباد واقع على معنى تدبير الربوبية وذلك لا يبطل تكليفهم العمل لحق العبودية فكل من الخلق ميسر لما دبر له في الغيب فيسوقه العمل إلى ما كتب له من سعادة أو شقاوة فمعنى العمل: التعرض للثواب والعقاب.
[58] ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ... الحديث) معنى قوله كتب أي أثبت عليه ذلك بأن خلق له الحواس التي يجد بها لذة ذلك الشيء وأعطاه القوى التي بها يقدر على ذلك الفعل فبالعينين وبما ركب فيهما من القوة الباهرة تجد لذة النظر وعلى هذا وليس المعنى أنه ألجأه إليه وأجبره عليه بل] 10/أ [ركز في جبلته حب الشهوات ثم إنه سبحانه يعصم بفضله ورحمته من يشاء ويقرب من هذا المعنى ما وقعت الإشارة إليه في حديث عمران بن حصين تلو هذا الحديث بقوله - صلى الله عليه وسلم -.
[59] (وتصديق ذلك في كتاب الله (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) وتسوية النفس إنشاء خلقتها على سواء من التدبير بحسب ما تقتضيه الحكمة ويستدعيه المصلحة وذلك بما ركب فيها من القوى التي جعلت مقومة للنفس وصارت النفس بها مستعدة لقبول الفهم والإلهام فألهمها فجوزها بالأمور الجبلية والقضايا الطبيعية، وتقواها بالنصوص الشرعية والأدلة العقلية، وقوله يكدحون أي يسعون والكدح السعي والعناء.

الصفحة 52