كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

حديث عمر- رضي الله عنه- لظهور المراد منه، ولا نراهم يقابلون هذه الحجة إلا بقولهم إن حديث ابن عباس- رضي الله عنه- من جملة الآحاد، فلا يلزمنا أن نترك به ظاهر الكتاب.
قلت: وإنما جدوا في الهرب عن القول في معنى الآية بما يقتضيه ظاهر هذا الحديث لمكان قوله- سبحانه- {أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}. فقالوا: إن كان هذا الإقرار عن اضطرار، حيث كوشفوا بحقيقة الأمر وشاهدوه عين اليقين، فلهم يوم القيامة أن يقولوا: شهدنا يومئذ فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا؛ كان منا من أصاب، ومنا من أخطأ، وإن كان عن استدلال، ولكنهم عصموا عندهم من الخطأ، فلهم أيضا أن يقولوا: أيدنا يوم الإقرار بتوفيق وعصمة، وحرمناهما من بعد، ولو أمددنا بهما أبدا؛ لكانت شهادتنا في كل حين كشهادتنا في اليوم الأول، فقد تبين أن الميثاق: ما ركب الله فيهم من العقول، وآتاهم من البصائر؛ لأنها هي الحجة الباقية المانعة لهم عن قولهم: إنا كنا عن هذا غافلين؛ لأن الله تعالى جعل هذا الإقرار حجة عليهم في الإشراك، كما جعل بعث الرسل حجة عليهم في الإيمان بما أخبروا عنه من الغيوب، ولهم في ذلك كلام كثير، اكتفينا عنه بهذا المقدار، والغرض منه توقيف الطالبين على مواضع الإشكال، وبيان هذا الحديث باستيعاب طرقه، والإتيان على ألفاظه المختلف فيها، والتوفيق بين الآية وحديث عمر- رضي الله عنه- على ما ذكرناه متيسر والتوفيق بين الآية وحديث ابن عباس على الوجه الذي لا يعارضه حجة أخرى من الكتاب مشكل جدا، إلا أن نعلل الحديث بما عللوه به، أو نقول: يحتمل أن بعض الرواة ألحق به ذكر الآية، على سبيل البيان والتفسير، والله أعلم بتأويله. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مسح ظهر آدم ..) فذهب بعض المؤولين إلى أن المسح كان من بعض الملائكة، وإنما أسند إلى الله؛ لأنه هو الآمر والمتصرف في عباده بما يشاء، وذلك مثل قوله: {الله يتوفى الأنفس حين موتها ..} وقوله سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة}.
وذهب بعضهم إلى أنه من المساحة، فكأنه أراد أنه قدر وبين ما في ظهره من الذرية، وسبيل السلف في أمثال هذا الحديث أن يمروها كما جاءت إيمانا بظاهر القول واجتنابا عن التعرض لباطنه بالتأويل، مع نفي الكيفية؛ مخافة أن يلحقهم من ذلك درك، وهذا هو الأحوط والأصلح، ولولا الشفق على من يأبى إلا التأويل مع عدم المعرفة بوجوه كلام العرب وكثرة الخوض فيما لا دربة له به من علم الحديث فيدحض في مهواة الجهل لاكتفينا بنقل مذهب/ [15/ ب] السلف ثم لا خفاء أن المفهوم منه أحد المعنيين: إما الأخذ باليمين إظهارا للقدرة، أو التبريك في ظهر آدم، وفي لفظ اليمين تنبيه على تخصيص آدم بالكرامة والفضيلة (وكلتا يديه يمين).

الصفحة 61