كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

يقتضيه ظاهر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبالغة في التصديق بما يقول، واستقصاء في تحقيق ما يخبر عنه، وهذا هو حق اليقين في أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وواجب الأدب على السامع في استماع ما ينتهي منه إليه.
ومن أوتي بصيرة في أمر الدين، فليكن وثوقه بما يخبر عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعرق من وثوقه بما يراه ويشاهده.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ثم أجمل على آخرهم) أجملت الحساب: إذا رددته عن التفصيل إلى الجملة. والمعنى: أن الإجمال وقع على ما انتهى إليه التفصيل، أو ضرب بالإجمال على آخر التفصيل، أو ختم بالإجمال على ذكر آخرهم، وهو من انتهى إليه التفصيل والحساب إنما يختم بذكر الجملة.
قوله: (ثم قال بيده) أي: أشار بيده إلى وراء ظهره.
والمعنى: أن هذا الأمر فرغ منه فصار بمنزلة ما تخلفه وراء ظهرك. والقول يستعمل من طريق المجاز والاتساع في كثير من الأفعال. يقال: قال برأسه: إذا أشار. وقال برجله: إذا ضرب بها أو مشى. وفي الحديث (فقال بثوبه) وفيه: (فقال برجله) وفيه: (فقال بالماء على يده).
(ومن الحسان)
[69] حديث أبي خزامة عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، (أرأيت رقى نسترقيها ..) الحديث.
عرف الرجل أن من واجب حق الإيمان أن يعتقد أن المقدور كائن لا محالة، ووجد الشرع يرخص في الاسترقاء، ويأمر بالتداوي والاتقاء عن مواطن الهلكات، فأشكل عليه الأمر، كما أشكل على الصحابة، حين أخبروا أن الكتاب يسبق على الرجل، فقالوا: ففيم العمل؟ فبين له الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن جميع ذلك من قدر الله، وأن المتقي والمسترقي والمتداوي لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من ذلك إلا ما قدر لهم، وكما أن نفس هذا الفعل بقدر الله، فكذلك نفعه وضره بقدر الله، وكما أن التمسك بأعمال البر مأمور به مهما سبق من القضاء المبرم، فكذلك التعرض للأسباب الجالبة للمنافع، الدافعة للمضار مأمور به، أو مأذون فيه، إن لم يمنع عنها مانع شرعي، مع جريان القدر المحتوم، ولم يكن في هذا الحديث زيادة إشكال وإنما أوردناه لنبين اختلاف أهل الحديث في الصحابي الذي يروي هذا الحديث، فقد اختلفوا فيه جدا، فمنهم من يقول: عن ابن خزامة عن أبيه، وزعموا أن أبا خزامة هذا صحابي، وذكر بعضهم أن اسمه الحارث بن أبي خزامة، ولم نجد في ذلك نقلا يصلح للاعتماد، وقد وجدنا في كتاب المعارف: الحارث بن خزامة. ولعل الوهم اعترض لذلك القائل من هنا.

الصفحة 63