كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

ما في بعض طرق هذا الحديث أنه قال: (تراني إنما ما كستك لأذهب بجملك، خذ جملك وثمنه، فهما لك) وفي كتاب (مسلم): (أتراني ما كستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهو لك).
وإن قدر أن القصد فيه كان حقيقة البيع، فالوجه فيه: أن المساومة التي كانت من النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدناها خالية عن ذكر الشرط وجرى البيع عن جابر على ما كانت المساومة عليه وكان الاستثناء بعد وجوب البيع مفصولا عنه.
وفي بعض طرق هذا الحديث عن جابر أنه قال: (فإن لرجل على أوقية ذهب، فهو لك بها، قال: قد أخذته، فتبلغ عليه إلى المدينة) وفي كتاب مسلم (قد أخذته) فتبلغ به إلى المدينة) وسياق هذا الحديث يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأه بذلك. وفي بعض طرقه (فأفقرنى ظهره إلى المدينة) والإفقار: إعارة الظهر للركوب، وقد وجدنا في بعض ألفاظ هذا الحديث، مع صحته، اختلافا بينا، لا يكاد يمكننا الجمع بين مختلفاتها، فمن ذلك: ما روى عنه: (فبعت منه خمس أوراق) ومنه، أنه قال: (اشترى منى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرا بوقتين وردهم، أو درهمين) ومنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أعطه أوقية من ذهب وزده) وكل هذه الراويات في كتاب مسلم، ولاشك أن الاختلاف فيه إنما وقع ممن لم يضبطه من الرواة، ولعل الاستثناء فيه من قبيل ما لم يضبط. هذا وقد استغنينا في هذا الحديث عن هذا القول وشواكله بما وجدنا فيه من الدليل على أن المبيع لم يكن مقبوضا، فإن ثبت أن قد كان هناك شرط فإنه كان على بعيره الذي ما زالت عنه اليد، بل كان باقيا على ملكه.
[2032] ومنه حديث عائشة- رضي الله عنها- (جاءت بريرة، فقالت: إني كاتبت على تسع أوراق، في كل عام وقية .. الحديث) استدل بهذا الحديث من زعم أن البيع إذا اقترن بشرط، فإنه جائز، والشرط باطل، والحديث على ما في كتاب المصابيح لا حجة فيه؛ لأن اشتراط الولاء في هذا الحديث لم يقع في نفس العقد، وإنما جاءت بريرة تستعين عائشة في كتابتها، فقالت: (إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة) [46 ب] أي: أحصيها لهم دفعة واحدة (ويكون الولاء لي فعلت) ظنا منها أن الولاء إنما يتقل إليها باشتراط من قبلهم، فلما أخبروا بما تريد عائشة، أبوا ذلك، وفي بعض طرق حديث بريرة، أن أهلها قالوا: (إن شاءت أن تحتسب عليك، فلتفعل، ويكون ولاؤك لنا) وقولهم هذا ليس من الشرط في شيء؛ لأنها إذا احتسبت بما تعنيها به من مال الكتابة- كان الولاء لأهلها؛ لأن ولاء المكاتب لمواليه، فأبت عائشة

الصفحة 685