كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

إلا الشراء، فرضوا بالبيع على أن تجعل الولاء لهم؛ ظنا منهم أن ذلك يثبت بالاشتراط، فلما أخبرت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بحديثهم، قال: (لا يمنعك ذلك، اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق) فكانت مراجعتهم هذه في القول قبل الشروع في المبايعة، ولم يذكر في هذا الحديث أن البيع كان مشروطا بذلك الشرط، بل ذكر في الحديث ما كانوا يراجعون به عائشة دون المساومة، فأما عند وجوب البيع فلا، هذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث، نعم وقد روى البخاري من غير وجه في كتابه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: (ابتاعيها فأعتقيها، فاشترطي لهم الولاء؛ فإن الولاء لمن أعتق ...) والحديث على هذا الوجه يدل على قول ذلك القائل لو سلم من المعاني المنافية لما زعم، وذلك أم حمله على حقيقة الفعل غير جائز، لأنه نهى عنه وسماه باطلا، وحمله على معنى التعمية عليهم أبعد وأبعد، ومعاذ الإله أن يتوهم ممن طهره الله عن شوائب الخيانة، وأظهر به أمور الديانة أن يصدر عنه قول يتضمن شيئا من التغرير، ومن هذا الوجه أنكر بعض أهل العلم هذا اللفظ، وأبي أن يكون من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير أن الراوية إذا صحت، فعلينا أن نطلب المخرج منها، لا على وجه الرد والنكير، ورأى بعضهم أن يتأول (لهم) بمعنى (عليهم) واستشهد بقوله- سبحانه- {أولئك لهم اللعنة} وهذا التأويل يعتوره الوهن والخلل من وجهين:
أحدهما: أن الاستشهاد الذي جاء به غير ملائم لما استشهد عليه، وذلك أن لهم وعليهم نقيضان في الاشتراط، ولا كذلك في اللعنة، فإنها من حيث المعنى فيها سيان. ثم إنا نرى قوله- سبحانه- {أولئك لهم اللعنة} أبلغ في المعني من (عليهم اللعنة)؛ لأن اللام تفيد من المعني أن اللعنة لازمة لهم في عاجل الأمر وآجله، لا تنفك عنهم، وأن ذلك حظهم في الدارين، فلا حاجة بنا إذا أن نقول في تأويله: أولئك عليهم اللعنة، والظاهر أبلغ [47 أ] من التأويل، ثم إن أمثال ذلك من التقديرات إنما يستقيم في موضع تلجيء إليه الضرورة.
الوجه الآخر: أن الاشتراط عليهم مع قوله (فإن الولاء لمن أعتق) كلام لا طائل تحته مع ما فيه من مضادة ما حكم به الرسول، وقطع فيه القول، ومن إثبات ما نفاه - صلى الله عليه وسلم - والوجه فيه أن يقال: إن يقال: إن لم يكن أخطأ سمع الناقل في قوله: (اشترطي لهم الولاء، وفيه مظنة للصواب، فإن قوله: (فإن الولاء لمن أعتق) يشهد له من طريق المناسبة بين القولين، فالتأويل أن يقال يحتمل أنه قال ذلك على سبيل المعتبة، حيث روجع كرة بعد أخرى، وقد كان بين حكم الله فيه، وكان المراد منه النهي، وإن وجد منه على صيغة الأمر، كقوله- سبحانه: {اعملوا ما شئتم} وقد قال هذا بعض أهل العلم، ويحتمل أن هذا القول خرج مخرج قطع القول بالشيء، وإسقاط الاعتبار عن قول من يروم خلافه، فكأنه أراد أن يقول: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي، فاختصر الكلام استغناء بما نادي به في كتاب الله) ومعنى قوله: (في كتاب الله) أي: حكم الله الذي تعبد به عباده في كتابه، وجملة ذلك طاعة

الصفحة 686