كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

[2118] ومنه حديثه الآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قال الله تعالى: ثلاثة أن خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ... الحديث) الخصم: مصدر قولك: خصمته خصماً ثم وصف به، ولهذا يستوي فيه الجمع والمؤنث، وكأنه أخذ من الخصم- بالضم- وخصم كل شيء: جانبه وناحيته، وذلك لأنك إذا دفعته من جانب أتاك من جانب آخر. وهذا أبلغ ما يمكن من الوعيد؛ لأن من كان الله خصمه لا ينجو ولا يفلح. وقوله: (أعطى بي) على بناء الفاعل، أي: أعطى الأمان باسمي أو بذكري، أو بما شرعته من ديني. وذلك بأن يقول للمستجير: لك ذمة الله [55/ أ) ولك عهد الله.
[2119] ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مروا بما فيهم لديغ .. الحديث) أراد بالماء: الحي النازلة عليه فاختصره، وتقدير الكلام: بأهل ماء. وفي كتاب البخاري (فيهم لديغ أو سليم) والحديث إنما نقله المؤلف من كتابه، فلم يكن له أن يترك اللفظ الآخر. واللديغ أكثر ما يستعمل في لدغ العقرب. والسليم فيمن لسعته الحي وإنما قيل ذلك تفاؤلا بالسلامة. وقيل: لأنه أسلم وترك يأسا من برئه.
والحديث لا تعلق له بأحكام الإجارة. فيه- على ما اختاره المؤلف من الروايات- اختصار. وقد روى هذا الحديث من وجوه كثيرة، وفي بعض طرقه ألفاظ تبين وجه الحديث، فمن ذلك: (واستضافوهم فلم يضيفوهم) رواه مسلم في كتابه. ومنه: (فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم) رواه البخاري في كتابه عن أبي سعيد الخدري، وفيه أيضاً: (فصالحوهم عن قطيع من الغنم) فوجه الحديث: أن أهل تلك السرية كانوا مرملين، وقد وجب على أهل الماء حقهم، على ما صح من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه (قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم، فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن زلتم بقوم فأمروا بكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم)، فأبيح لهم أخذ ذلك عوضاً عن حقهم الذي منعوه، ويدل على صحة هذا التأويل قول أبي سعيد: (صالحوهم على قطيع من الغنم) وقد كان أبو سعيد في تلك السرية، ولم تكن الرقية علة لاستحقاقهم ذلك، وإنما كانت ذريعة إلى استخلاص حقهم.
وهذا المعنى وما يشاكله هو الصواب في تأويل هذا الحديث لئلا يخالف حديث عبادة بن الصامت وهو حديث صحيح- ولفظه: (علمت ناساً من الصفة الكتاب والقرآن، وأهدى إلى رجل منهم قوساً، فقلت: ليست بمال، وأرمي بها في سبيل الله فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إلى قوساً ممن كنت أعلمه

الصفحة 710