كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 2)

فاستقطعه الملح الذي بمأرب، فأقطعه .. الحديث) استقطعه، أي: سأله أن يقطعه إياه. و (مأرب) - بالهمز- موضع باليمن به مملحة. يقال لها ملح شذا. وأبيض ينسب إلى سبأ، ويقال: إنه أزدى، وإنما نسب إلى مأرب لنزوله به. ويقال: إن اسمه كان أسود، فغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[58 أ] اسمه، فسماه أبيض. قيل: إنه أقطعه ذلك ظنا منه أن القطيعة معدم يستخرج منه الملح بالكد والعمل فيه، فلما استبان له أنه الماء العد، أي: الدائم الذي لا انقطاع لمادته، استرده منه؛ لأنه وجده منا لمنافع الحاصلة التي يرتفق بها المسلمون، فلم يرد لأحدهم الاستئثار بها دون الناس، وإنما يتملك الشيء منه بالسبق إليه والحيازة له. والرجل الذي قال: (إنما أقطعته الماء العد) هو الأقرع بن حابس التميمي. وفيه: (فسأله ماذا يحمي من الأراك .... الحديث) يحمى- على بناء المفعول؛ لما في غير هذه الرواية (فسأله عما يحمي من الأراك؟) ومنهم من رواه على بناء الفاعل، ونقل في تفسير قوله: (ما لم تنله أخفاف الإبل) عن محمد بنا لحسين المخزومي، أن معناه: أن الإبل ترعى منتهى رءوسها، فتحمي ما فوقه. وهذا المعنى يأباه اللفظ. وقد قيل فيه: تحمي منه ما بعد عن العماره، فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي. وهذا أوجه التأويلين لمطابقته اللفظي ويحتمل أنه أراد: أن لا يحمي منه شيء. لأن الحمى إنما يكون بمن يحميه وأية أرض وجد بها من يحمي الأراك، لم تخل من السارحة، وإنما ذكر الإبل لأنها هي التي تنال أغصانها، فترعاها على أغلب الأحوال دون غيرها من المواشي.
[2134] ومنه: حديث ابن عباس- رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون شركاء في ثلاث) إنما جاء التأنيث ليدل على الأنواع المشتركة من كل جنس من الأجناس الثلاثة، وأراد (بالماء): الذي لم يملكه أحد. و (بالكلأ): ما يكون منه في أرض غير مستملكة، أو في ملك أذن للمتناول منه في دخوله، على اختلاف فيه، وأما الاشتراك [58 ب] في النار، فهو أن يتناول منها جذوة، أو يشعل منها شعلة، والاشتراك في الماء إنما هو: في الشرب والاستعمال. وكل من سبق إليه فهو أحق بالاستقاء، وأما في سقي الأرض، فهو على الترتيب: الأعلى فالأعلى، وأما ما يساق منه إلى موات الأرض، فهو حق من سبق إليه.
وفي معناه:

الصفحة 716