كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 3)

الله، إني وهبت نفسي لك .. الحديث) المشكل من هذا الحديث (زوجتكها بما معك من القرآن) وتأويله- عند من يقول: إذا تزوجتها على سورة من القرآن، فالنكاح جائز ولها مهر المثل، إن دخل بها، أو ماتا، أو مات أحدهما، وإذا طلقها قبل الدخول فلها المتعة، أي: زوجتكها لما معك من القرآن، وإنما جعل الباء مكان اللام؛ لأن ذلك صار سببا للاجتماع بينهما، ولعل المرأة وهبت مهرها له، كما وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث أنس، (أن أبا طلحة تزوج أم سليم على إسلامه، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فحسنه) فلم يكن إسلام أبى طلحة مهرا لها على الحقيقة، وإنما المعنى: تزوجها إسلامه، وكانت قد شارطته أن تجيبه إلى النكاح إذا أسلم. وفي بعض طرق حديث أنس: (ما كان لها مهر غيره) ومعنى ذلك- والله أعلم- أنها ما أرادت منه مهرا غيره.
وقد روى عن الليث أنه قال- وهو احد رواة حديث سهل بن سعد-: لا يجوز لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يزوج بالقرآن.
قلت: وإنما رأى القائلون بما ذكرنا العدول عن ظاهر الحديث إلى التأويل؛ لحديث عبادة بن الصامت، فيمن كان يعلمه القرآن، فأهدى إليه قوسا، وقد ذكرناه فيما قبل، ولحديث عبد الرحمن بن شبل الأنصاري- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اقرأوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به) ثم إنهم قالوا: قد أجمع المسلمون على أن من استأجر رجلا يدرهم على أن يعلمه سورة من القرآن، أن ذلك لا يصلح؛ للجهالة التي فيها، وكذلك لو باع منه بتعليم سورة من القرآن، وكل ما يوجب بطلان الإجارة والبيع من جهة الجهالة؛ فهو يوجب بطلان المهر، مع أن لفظ الحديث لا ينبئ عن التعليم، فإنه قال: (زوجتكها بما معك من القرآن) وما معه من القرآن لا يكون مهرا بحال.
ثم إن في عدة طرق من هذا الحديث، أن المرأة قالت: (وهبت نفسي لك يا رسول الله، فقامت طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك فيها حاجة، فزوجنيها) ولم يذكر في الحديث أنه شاورها فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن لم يكن فيها حاجة، فزوجنيها) ولم يذكر في الحديث أنه شاروها في نفسها، ولا أنها قالت: زوجنى منه، ولابد لهذا القول من تتمة لم تذكر في الحديث، فما ينكر أن يكون قد جعل لها مهرا سوى السورة، وإنما ذكر السورة للمعنى الذي ذكر، والله أعلم.
(ومن الحسان)
[2304] حديث عمر بين الخطاب- رضي الله عنه-: (ألا لا تغالوا صدقة النساء ... الحديث) صداق المرأة، وصداقها، وصدقتها: ما يعطى من مهرها، والراوية عندنا فيه من الوجهين، أحدهما: (لا تغالوا صدق النساء) على الجمع، مثل: ربط. والآخر: (لا تغلوا في صدقات السناء) أي: لا تتجاوزوا فيه الحد،

الصفحة 760