كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 3)

عاهده. وتحالفوا أي: تعاهدوا. وكان الرجل في الجاهلية يُعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثآري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك. فيعدون الحليف من جملة القوم الذين دخل في حلفهم ويطالبونهم بجريرته، فلما جاء الله بالإسلام واستقر أمره نهى أن يحدث ذلك في الإسلام وأٌر ما كان منه في الجاهلية لتعلق المصالح به من حقن الدماء وطلب الحقوق وحفظ العهود وجمع الشمل وضبط الأنساب وصيانة الأعراض وغير ذلك، وهو المراد من قوله: (وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة) وقد نسخ من أحكامه التوارث به قال الله تعالى {والذين عقدت أيمانكم قآتوهم نصيبهم} وقد رُوى أن الرجل كان يرث حليفه، ومعنى {عقدت أيمانكم} أي: عاقدتهم أيديكم وما سمحتموهم بها، وأما إثبات الولاء بالموالاة فليس من الحلف المهني عنه في شيء، وقد أجاز ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه وأوّلُوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث تميم الداري - رضي الله عنه - حيز سأله عن الرجل يُسلم على يدي الرجل: (وهو أولى الناس بمحياه ومماته) على أنه أولى الناس بموالاته وكان عمر بن عبد العزيز وآخرون من أهل العلم يرون أنه يرث إذا لم يكن له وارث من غير عقد موالاة.
وفيه (والمؤمنون يد على من سواهم) أي ينصر بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا .. جعلهم بمثابة اليد الواحدة في التناصر والتفاضل.
وفيه (يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم) قد مر تفسيره فيما مضى

الصفحة 819