كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

- عقوبة للمكلفين على ما اجترحوه من الذنوب، وذلك قوله- سبحانه-: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} فالسائل عن شيء لم يحرم سلك في سؤاله ذلك ملك الاختلاف على الأنبياء، وهو في ذلك متعد طوره، متجاوز حده، التي ذكرناها قبل هذا الحديث.
ثم إنه أذنب حين أقدم على ما نهي عنه، ونطق حيث أمر بالسكوت، فأصبح مستحقا للعقوبة، على ما ارتكبه، فعاقبه الله بتحريم ما سأل عنه، فجنى على نفسه، وجر جريرة إلى من سواه من أهل دينه، بسؤاله ذلك، فصار أعظم المسلمين في المسلمين جرما، لا لأن جريمته أعظم الجرائم، بل لما عمهم من البلوى، وبيان ذلك: أن القتل أكبر الكبائر بعد الشرك، فلا يمكن أن يكون جرم هذا السائل أعظم من القتل، ولكنه لما جنى جناية تعدت منه إلى سائر المسلمين أولهم وآخرهم؛ صار أعظم المسلمين في حق المسلمين جرما، والقتل- وإن كان أعظم منه، فإنه يتعدى إلى القاتل وإلى عاقلته، وإلى قبيلته أو إلى أهل قريته، ولا كذلك جرم الذي حرم ما سأل عنه لأجل مسألته، فإنه تعدى إلى سائر المسلمين، فلا يمكن أن يوجد جرم ينتهي في معنى العموم إلى هذا الحد، فإن قيل: اليهود لما ظلموا عمهم الله بالعقوبة، فحرم عليهم طيبات أحلت لهم، وهذا السائل إنما جنى جناية لم يشاركه في اجتراحها أحد، فما بال سائر المسلمين يشاركونه في العقوبة؟
قلنا: لقد كان أيضا في اليهود من لم يشاركهم [24/ ب] في ظلمهم، كيف وقد كان فيهم الأنبياء والصديقون، ثم إن التحريم لم يختص بالظالمين منهم، بل كانوا سواء في حكم التحريم، وإنما عوقب به الظالم، وابتلى به الصابر، والظالمون قد جنوا على أنفسهم بالظلم، فاستحقوا العقوبة بالتحريم، وتعدى إلى غيرهم، ثم أضيف التحريم إلى الظالمين؛ لأن ظلمهم كان السبب، فكذلك ها هنا.
[111] ومنه حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ... الحديث) هذا الحرف.

الصفحة 83