كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

أعني: (في أمة قبلي) - وجدناه في النسخ من المصابيح: (في أمته قبلي) بزيادة الهاء، ونحن نرويه بغير هاء عن كتاب مسلم وغيره، وهو الصواب والأمثل في فصيح الكلام.
وفيه (إلا كان له من أمته حواريون) يذهب كثير من أهل العلم إلى أن الأصل في تسمية الناصر بالحواري، أن أصحاب عيسى- عليه السلام- كانوا قصارين يحورون الثياب، أي: يبيضونها، فلما كانوا أنصاره دون الناس؛ قيل لكل ناصر نبيه حواري، تشبها بأولئك، وقال بعض المتعمقة: إنما سموا حواريين؛ لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس عن دنس الجهل وأوضار الذنوب، بإفادة الدين والعلم.
والمعنى المستقيم على الوضع اللغوي أنهم خلصان الأنبياء؛ لأن حواري الرجل صفوته وخلاصته الذي أخلص ونقى من كل عيب، ومنه قيل للحضريات: الحواريات؛ لخلوص ألوانهن ونظافتهن. قال أبو جلدة:
فقل للحواريات يبكين غيرنا .... ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
وفي وزنه الحواري، وهو: كثير الحيلة، ويحتمل أنه سمي حواريا؛ لأنه روجع في اختياره مرة بعد أخرى، كالدقيق الحواري، الذي نقى ونخل.
وفيه: (ثم يخلف من بعدهم خلوف) خلف فلان فلانا: إذا كان خليفته، قال الله تعالى-: {وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي} ويقال: خلفه، أي: جاء بعده، والمراد به ها هنا جيئة الخلوف بعد السلف، والخلوف: الحضور المتخلفون، ويقال أيضا: حي خلوف، أي: غيب، وهو من باب الأضداد، ويقال أيضا: حي خلوف: إذا ذهب الرجال وبقي النساء، فيحتمل أنه استعير في صفتهم إشارة إلى أنهم لا يغنون في أمر الدين غناء كالنساء والصبيان.
ومنه الحديث: (أن اليهود قالت: لقد علمنا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يترك أهله خلوفا). أي: لم يتركهن لا راعي لهن ولا حامي، والظاهر أن الخلوف ها هنا جمع خلف، قال الله - تعالى: {فخلف من بعدهم خلف}.
والخلف والخلف: ما جاء بعد، ويجوز فيه التحريك والتسكين، إلا أنه يقولون: حلف سوء- بالتسكين- وخلف صدق- بالتحريك. يريدون الفرق بينهما، كما قالوا: وعد في ضمان الخير، ووعيد في ضمان الشر، فنجمع حلف على أخلاف، كما نقول: سلف وأسلاف، وخلف على خلوف كما نقول عدل وعدول، والخلف أيضا: الرديء من كل شيء، يقال: سكت ألفا ونطق خلفا. أي رديئا من القول.
والمعنى: أنه يجيء من بعد أولئك السلف الصالحين أناس لا خير فيهم، ولا خلاق لهم في أمور الديانات.
وفيه: (ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) والمعنى أن أدنى مراتب أهل الإيمان أن تضطرب قلوبهم لظهور المنكر، ويكون منه في جهد وعناء، حتى لا يستقر، ولا تنقطع النزاع عنها، فإن استقرت

الصفحة 84