كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (اسم الجزء: 1)

سوق، فشدد عليهم في القرى؛ ليقيموا للسرية الغازية ما يتبلغون به، ولعل الأمر بأخذ مقدار القرى من مال المنزول به كان من جملة العقوبات التي شرعت في الأموال زجرا للمتمردين، ثم نسخت، كالأمر بتحريق متاع الغال، وأخذ نصف المال [26/ ب] من مانع الزكاة، مع ما لزمه من مال الزكاة.
[121] ومنه حديث العرياض بن سارية- رضي الله عنه-: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة، ذرفت منها العيون .... الحديث).
بليغة: أي: بالغ فيها بالتخويف والإنذار، كقوله تعالى-: {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} والبلوغ والبلاغ؛ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ومنه البلاغة والأصل فيه أن يجمع الكلام ثلاثة أوصاف: صوابا في موضوع اللغة، وطبقا للمعنى المراد منه، وصدقا في نفسه. وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحق بهذه الأوصاف من بين كلام سائر الخلق، وقوله: (ذرفت) أي سال منها الدمع، وكان ذلك لاستيلاء سلطان الخشية على القلوب، وتأثير الرقة فيها، وفيه: (وإن كان عبدا حبشيا) معنى هذا الكلام: أن السلطان لو ولى عليكم عبدا حبشيا فاسمعوا له وأطيعوا، وتقدير الكلام، وكان المولى عبدا حبشيا ويحتمل أنه أراد بذلك المبالغة في طاعة ذوي الأمر، دون ما يقتضيه ظاهر اللفظ والعرب تضرب المثل في أبواب المبالغة بما لا يكاد يكون، ومن هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من بنى لله مسجدا، ولو كأفحوص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة).
وفيه: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) المعنيون بهذا القول هم الخلفاء الأربعة؛ لأنه قال في حديث آخر: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) وقد انتهت الثلاثون بخلافة علي- رضي الله عنه- وليس معنى هذا القول انتفاء الخلافة عن غيرهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يكون في أمتي اثنا عشر خليفة) وإنما المراد تفخيم أمرهم، وتصويب رأيهم، والشهادة لهم بالتفوق فيما يمتازون به عن غيرهم من الإصابة في

الصفحة 88