كتاب تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين

ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقطعه، وقال: «مال الله عز وجل سرق بعضه بعضاً» (¬1).
وحين أساء حاطب بن أبي بلتعة إلى رقيقه، وقصر في إطعامهم؛ سرقوا ناقة رجل من مزينة، فرفع الأمر إلى عمر، فعفا عنهم، وقال لحاطب: (أراك تجيعهم، والله لأغرمنّك غُرماً يشق عليك)، فأمره أن يدفع للمزني ضعف ثمن الناقة التي سرقها رقيقه، وعفا عنهم، ولم يطبق عليهم حد السرقة (¬2).
وأخيراً فإن الحضارة الإسلامية قدمت نموذجاً فريداً في معاملة العبيد، فكان منهم العلماء، كسالم - رضي الله عنه - مولى أبي حذيفة، والأمراء كسلمان الفارسي أمير المدائن، وزيد بن حارثة قائد جيش المسلمين في مؤتة، وبلال خازن بيت المال الذي يقول عنه الخليفة عمر بن الخطاب: (أبو بكر سيدُنا، وأعتق سيدَنا) (¬3) أي بلالاً.
ولعل القارئ يأذن لي في خاتمة هذا الفصل باستطراد طريف يحكي منزلة العبيد وعطاءهم الحضاري الكبير في أمة الإسلام، فقد دخل الزُّهري على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكة.
قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ فقلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا الناس. قلت: نعم.
قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي قال: فبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: من كان كذلك ينبغي أن يسود الناس.
قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم
¬_________
(¬1) أخرجه ابن ماجه ح (2590).
(¬2) أخرجه مالك في الموطأ ح (1468).
(¬3) أخرجه البخاري ح (3754).

الصفحة 299