كتاب التكفير وضوابطه - السقار
التحذير من التكفير
ولخطورة القول بكفر المسلم وما يتبعه من أحكام في الحال والمآل، فإن القرآن والسنة يحذران من إطلاق هذا الحكم من غير تبينٍ ولا تثبت.
قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم مّن قبل فمنّ الله عليكم فتبيّنوا إنّ الله كان بما تعملون خبيراً} (النساء: 94).
قال القرطبي: " معنى قوله: {فتبينوا} أي الأمر المشكل، أو تثبتوا ولا تعجلوا، المعنيان سواء، فإن قتله أحد فقد أتى منهياً عنه ". (¬1)
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حذر من التكفير أشد التحذير فقال: ((إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما)). (¬2)
ويروي أبو ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)). (¬3)
قال ابن عبد البر: " فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم، واحتمله بقوله ذلك، وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحد من أهل القبلة: يا كافر". (¬4)
ويقول ابن دقيق العيد: "وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم ". (¬5)
وفي بيان معنى الحديث قال الحافظ ابن حجر: " والتحقيق أن الحديث
¬_________
(¬1) الجامع لأحكام القرآن (5/ 339).
(¬2) رواه البخاري ح (6103)، ومسلم ح (60).
(¬3) رواه البخاري ح (6045)، ومسلم ح (61).
(¬4) التمهيد (17/ 22).
(¬5) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (4/ 76).
الصفحة 13
117