كتاب التكفير وضوابطه - السقار

الجنة على ما كان من عمل)). (¬1) وأمثالهما.
قال أبو سليمان الخطابي مبيناً منهج أهل السنة في فهم النصوص والجمع بينها: "القرآن كله بمنزلة الكلمة الواحدة، وما تقدم نزوله وما تأخر في وجوب العمل به سواء، ما لم يقع بين الأول والآخر منافاة، ولو جمع بين قوله: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48)، وبين قوله: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها} (النساء: 93) وألحق به قوله: {لمن يشاء} لم يكن متناقضاً، فشرط المشيئة قائم في الذنوب كلها ما عدا الشرك.
وأيضاً فإن قوله: {فجزاؤه جهنم} يحتمل أن يكون معناه: فجزاؤه جهنم إن جازاه الله ولم يعف عنه، فالآية الأولى خبر لا يقع فيه الخُلْف، والآية الأخرى وعد يرجى فيه العفو". (¬2)
ويقول الطبري في سياق حديثه عن قاتل النفس المتوعد بالخلود في النار: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمناً متعمداً، فجزاؤه - إن جزاه - جهنم خالداً فيها، ولكنه يعفو أو يتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه - عز ذكره - إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إياها، ثم يخرجه منها بفضل رحمته، لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} (الزمر: 53) ". (¬3)
وأيضاً منعاً للتعارض تأول العلماء نصوص تحريم الجنة على العصاة بتأويلات، يقول النووي في سياق شرحه لحديث تحريم الجنة على مؤذ جيرانه: " ففيه جوابان: أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه، فهذا كافر لا يدخلها أصلاً، والثاني: معناه: جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر، ثم قد يجازى،
¬_________
(¬1) رواه البخاري ح (3435)، ومسلم ح (28)، واللفظ للبخاري.
(¬2) شعب الإيمان (1/ 278).
(¬3) جامع البيان (5/ 221).

الصفحة 39