كتاب سهام الإسلام

فتح مكة سنة ثمان وحطم الأوثان التي كانت في الكعبة وما حولها، وفى غيرها من الأماكن التي كانت فيها، وهذا نوع مهم من التطهير، لأن تطهير العقول من سوء الاعتقاد له تأثير كبير في تلقي ما يقدم لها من إرشاد وتوجيه، وهذا ما نراه في تبديل الحكومات في وقتنا هذا، فإن نجاح الحكومة الجديدة يتوقف إلى حد بعيد على نباهة رئيسها في إلغاء ما تركته الحكومة السالفة عليه، وإزالة بقاياها من الرجال والقوانين التي سنتها ولربما تكون جائرة، فإذا قام الرئيس الجديد بهذا فإنه يجلب إلى صفه كل من اضطهد في عهد الحكومة السالفة، وهذا سر نجاح الحكومة الجديدة وألا تفعل هذا فإن الأمة لا تميل إليها وتراها نسخة طبق الأصل، من أجل هذا التطهير تأخر حج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا العام - العام التاسع من الهجرة - وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه مكانه أميرا على الحج ليقيم للناس مناسكهم، فلما خرج أبو بكر متوجها إلى مكة المكرمة بمن معه من الحجاج نزلت آيات سورة براءة فبعث في أثره علي ابن أبي طالب رضي الله عنه مبلغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام الحج، وأن ينادي في الناس ويخبرهم بما نزل من القرآن، من أول هذه السورة - براءة - وذلك ثلاثون آية وقيل أربعون آية من آياتها الأولى، وفيها {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} إلى آخر الآيات المذكورة، فقرأها علي على الناس كما أمره بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، قرأها عليهم في أماكنهم التي تعودوا النزول فيها، وفى أماكن بيعهم وشرائهم وفى عرفة ومنى، حتى

الصفحة 112