كتاب سهام الإسلام

فقد خيل إليهم أنهم وحدهم أصحاب الكلمة والحق في توجيه المسلمين، ولو كان ذلك التوجيه إلى غير الوجهة التي يحبها الله ويرضاها للمسلمين، ولم يستسيغوا مواقف العلماء من هذا الأمر - توجيه المسلمين إلى غير ما دعا إليه الإسلام - ولم يدركوا أن مسؤولية العلماء في ذلك ربما كانت فوق مسؤولياتهم، إذ لهم المحافظة على سلامة الأوطان وما يتبع ذلك، وللعلماء مسؤولية الدفاع عن سلامة الدين والعقيدة والأخلاق الفاضلة من كل طاريء ودخيل، فقد رأيناهم ولمسناهم في مواقفهم وتصرفاتهم أنهم كلما تكلم عالم نصوح لأمته في أي موضوع ديني أو اجتماعي إلا وتخوفوا منه، واعتقدوا أن هذا منه تهديد لسلامتهم وراحتهم (وأمن الدولة) وأمنهم هم، فناصبوه العداء وراقبوا أعماله وتنقلاته كأنه مثير فتنة، أو يريد الاستيلاء على السلطة كما توهموا هذا، فحاربوه ما وسعهم ذلك بالتضييق عليه في أعماله وأقواله والحد من نشاطه الديني، بل وسد الأبواب في وجهه.
والقرآن يصور لنا أن مثل هذا لا يصدر إلا عن المنافقين، كما قال تعالى في حق المنافقين الذين حاربوا الإسلام في أيامه الأولى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬1).
¬__________
(¬1) الآية 4 من سورة المنافقون.

الصفحة 161