كتاب سهام الإسلام

والأمر الثاني يرجع إلى مواقف العلماء من أولئك الحكام، فمنهم الرعديد الجبان، الذي حمل أمانة العلم لتكون حجة عليه لا له يوم القيامة، ومنهم المداهن المتملق المسالم لضعفه لقول من قال: (سلم تسلم) ومنهم الذين أشربوا في قلوبهم حب المال والكسب والمغنم على حساب الدين، ولا عليه بعد هذا أانتصر الدين والعقيدة على المهاجمين أم انهزما أو وقفا في مكانهما؟. وقد كان العالم الورع الشيخ عبد الله بن المبارك كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات ويقول:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ ... وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ ... وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا
وفى كلا الأمرين يوجد رجال آمنوا بوعد ربهم وبمبدئهم وبمسؤوليتهم، ولم يثنهم عن عزمهم قوة أولئك، ولا ضعف هؤلاء، فأدوا ما عليهم من واجبات، قد تكون ثقيلة في بعض الأوقات، وقاموا بمسؤولياتهم خير قيام يقتضيه عامل الزمان والمكان، فكانوا - إن شاء الله من الناجين - ولم تخل الأرض من داع يدعو إلى الله ومن قائم بأمر الله، والحمد لله.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب كل مسلم مؤمن بربه حتى الجالس في قارعة الطريق، حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في طرقات الناس، فقال الصحابة له ما لنا منها بد يا رسول الله، فقال: (فإن أبيتم إلا المجالس

الصفحة 162