كتاب زهر الآداب وثمر الألباب
ولبديع الزمان إلى بعض الأشراف فى درج كلام تقدّم:
إن جعلنا نعدّ فخاركم، ونحدّ آثاركم، نفد الحصى قبل نفودها، وفنيت الخواطر، قبل أن تفنى المآثر، ولم لا، وإن ذكر الشرف فأنتم بنو بجدته، أو العلم فأنتم عاقد وإزرته. أو الدين فأنتم ساكنو بلدته، أو الجود فأنتم بنو بجدته، أو التواضع صبرتم لشدّته، أو الرأى صلتم بحدته، وإنّ بيتا تولى الله عز وجل بناءه، ومهّد الرسول عليه السلام فناءه، وأقام الوصىّ رضوان الله عليه عماده، وخدم جبريل عليه السلام أهله، لحقيق أن يصان عن مدح لسان قصير.
وذكر النبىّ صلى الله عليه وسلم أعرابىّ فقال: بأبى وأمى رسول رب العالمين، ختمت به الدنيا، وفتحت به الآخرة، صلى الله عليه وسلم، به يبدأ الذكر الجميل ويختم.
إلى هذا المكان أمسكت العنان. والإطناب فى هذا الكتاب يعظم ويتّسع، بل يتصل ولا ينقطع؛ إذ كان غرضى فيه أن ألمح المعنى من معانيه، ثم أنجرّ معه حيث انجرّ، وأمرّ فيه كيف مرّ، وآخذ فى معنى آخر غير موصول بشكله، ولا مقرون بمثله، وقد أخل نظاما، وأفرد تؤاما، نشرا لبساط الانبساط، ورغبة فى استدعاه النشاط. وهذا التصنيف لا تدرك غايته، ولا تبلغ نهايته؛ إذ المعانى غير محصورة بعدد، ولا مقصورة إلى أمد. وقد أبرزت فى الصدر، صفحة العذر، يجول فرندها، ويثقب زندها، وذلك أنى ما ادّعيت فيما أتيت إلا ما [لا] يكون ما تركته أفضل مما أدركته، وأنى لم أسلك مذهبا مخترعا لم أسبق إليه، ولا قصدت غرضا مبتدعا لم أغلب عليه، ومن ركب مطيّة الاعتذار، واجتنب خطيّة الإصرار فقد خرج من تبعة التقصير، وبرىء من عهدة المعاذير.
وأما بعد فإن أحقّ من احتكم إليه واقتصر عليه الاعتراف بفضل الإنصاف، وليعلم من ينصف أن الاختيار ليس يعلم ضرورة، ولا يوقف له على صورة، فيكثر الإغماض، ويقل الاعتراض، ويعلم أنّ ما لا يقع بهواه، قد يختاره سواه، وكلّ يعمل اقتداره، ويحسن اختياره، فلو وقع الاجتماع على ما يرضى ويسخط، ويثبت ويسقط، لارتفع حجاج المختلفين، فى أمر الدنيا والدين.
الصفحة 1163
1168