كتاب الاعتصام بالإسلام

هؤلاء الى الدفاع عن أنفسهم، وبخاصة أن التركمان الذين قاموا مقام العرب في سوريا كانوا أقل تسامحا من العرب فألزموا حجيج النصارى دخول القدس بخضوع، ولم يسمحوا لهم بالدخول في شكل عسكري وعلى ضوء المشاعل كما كان العرب يسمحون بذلك.
وزار بيت المقدس الراهب بطرس الناسك، فاغتاظ لما رأى من معاملة المسلمين للنصارى، وخيل إليه أنه مبعوث الرب لإنقاذ الأراضي المقدسة من الكفار، واستعان بالبابا أريان الثاني فأيده، الأمراء الاقطاعيون، وبخاصة أن المسلمين كانوا يهددون القسطنطينية، ويحاولون الاستيلاء عليها، ولقد لعبت أطماع التجار والأمراء دورا كبيرا في تنشيط هذه الحركة.
وفي ربيع سنة 1096م بدأت الجيوش الأوربية تزحف، ولكنها تعرضت الى مجاعات وأمراض فتاكة ومن نجا منها عمل في السلب والنهب والتدمير، وقد روت (أن لومن) بنت قصير الروم أنه كان من أحب ضروب اللهو عند الصليبيين قتل الأطفال وتقطيعهم إربا إربا، ولكن هذه الجيوش الهمجية العاطفية لم يكن لها غناء وإنما فنى أفرادها بالأوبئة والمجاعات والفتن الداخلية، ثم بدفاع العرب وتلا ذلك الزحف جيش ضخم قوامه مليون أوربي يقودهم الأمراء والملوك وقد استولى ذلك الجيش على القدس في يوليو سنة 1099م ويقول غوستاف لوبون: لم يكتف قومنا الصليبيون الأتقياء بضروب العسف والتدمير والتنكيل التي اتبعوها، فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى الذين كان عددهم 60 ألفا فأفنوهم عن آخرهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا وليدا ولا شيخا، ويقول غليوم الصوري: أن الصليبيين كانوا من السفهاء الفاسقين والملاحدة المارقين، ولو أراد كاتب أن يصف رذائلهم الوحشية لخرج من طور المؤرخ ليدخل في طور القادح الهاجي.
وتوالت بعد ذلك الحروب بين المسلمين والصليبيين، وقد تم طردهم من القدس على يدي صلاح الدين الأيوبي، ودخل القدس وأسر ملكها سنة 1187م وأنهى سلطان الصليبيين عليها،

الصفحة 53