كتاب الاعتصام بالإسلام

ولكنه كما يقول غستاف لوبون: لم يشأ أن يفعل ما فعله الصليبيون الأولون في المسلمين وقد وجد هؤلاء في حماه أمنا وسلاما.
انزعج ملوك أوربا لاسترداد المسلمين القدس، فتألفت حملة ضخمة سنة 1189م يقودها أقوى ملوك أوربا وهم: فليب أوغست ملك فرنسا، وفريدريك بابا، وولى قيصر ألمانيا، وريتشارد قلب الأسد ملك انكليترا، ولم يكن لهذه الحملة من أثر إلا القتال والتدمير في أثناء الانتصارات الصغيرة التي كان يحرزها المهاجمون.
ومن الحملات التي كان يقودها ملوك أوربا أيضا الحملة التي قامت من فرنسا بقيادة ملكها سان لويس سنة 1948م وقد اتجهت هذه الحملة الى الاستيلاء على مصر ولكن الجيش المصري هزمها وأسر الملك وسجنه في دار ابن لقمان في المنصورة وبعد مائتي سنة من الصراع المرير استطاع المسلمون أن يستردوا بلادهم من أيدى الصليبيين السفاكين.
وقد بدأت انتصارات المسلمين تتضح على يد نور الدين زنكي سنة 1146م وجاء بعده صلاح الدين الأيوبي فحقق أعظم انتصارات للمسلمين، وبخاصة في معركة حطين التي أدت الى الاستيلاء على عكا ونابلس والرملة، ويافا، وبيت المقدس التي سقط ملكها أسيرا في أيدى المسلمين كما سبق.
وفي عهد السلطان بيبرس سنة 1260 - 1277م تهافتت الممالك الصغيرة التي كانت في أيدى الصليبيين على ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي سنة 1293م سقطت آخر مدينة لاتينية في يد ملك مصر السلطان الأشرف خليل، وانتهى بذلك الصراع الذى شنته أوربا الصليبية على المسلمين.
هذه هي أعمال أوربا التي جعلت تدمير المسلمين نصب أعينها ولكن من لطف الله أن وجدت في استقبالها بقية من بقيت الايمان وفي مقدمتها الملك المسلم ألا وهو صلاح الدين الأيوبي وغيره من الملوك رجع هذا الانتصار الى نفوس المسلمين الطمأنينة بدينهم وحفظ لهم كرامتهم وشرفهم. وبعد ما فشل الصليبيون في

الصفحة 54