كتاب الاعتصام بالإسلام

ومستحدثات لم تتم تنقيتها، هذا التلفيق لعناصر من عصور مختلفة ومن ثقافات متتانية من أدنى غير ربط طبيعي أو منطقي يربط بينهما عالم متضارب منطوي على ألوان من التناقض والتنافر التي تجمعت وتراكمت في المسلمين اليوم لا هم شرقيون ولا هم غربيون، فهضم العناصر المستوردة يقتضي تميزا دقيقا وفكرا ناقدا يقظا محدد الشروط التي يلزم توافرها في الاستعمالات الضرورية أعني شروط توافقها وتفهمها ولياقتها، لقد وجد المجتمع الإسلامي الأول نسفه مرات كثيرة في مواجهة مشكلات من هذا النوع فحلها في كل مرة بطريقة واعية موفقة لا سيما حين حاول اختيار طريقة الدعوة إلى الصلاة، ففكر بعض الصحابة رضي الله عنهم، في الجرس، أو البوق، أو إشعال النار عند وقت الصلاة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته قد اختاروا بعد تفكر وتأمل طريقة أصيلة في النداء وهو صوت الإنسان فنشأت حينئذ وظيفة المؤذن وبذلك تحاشوا مشكلة استيراد الأجراس وغيرها (¬1).
وهناك عادات وتقاليد كثيرة أخدها العالم الإسلامي الأول، كانت بعد اختيار مشدد، واختيار بين وسيلة وأخرى وبين الطرق والأفكار، فالخطأ الذي وقع فيه المحدثون ودعاة الإصلاح اليوم ناتج على أن كليهما لم يتجه إلى مصدر إلهامه الحق، فالإصلاحيون لم يتجهوا حقيقة إلى أصول الفكر الإسلامي كما أن المحدثين لم يعمدوا إلى أصول الفكر الغربي. يجب على العالم الإسلامي في هذا العصر أن يوفق بين العلم والضمير وبين الأخلاق والصناعة وبين الطبيعة وما وراء الطبيعة ولو أنه سائر في الطريق إليها يجب على المسلمين اليوم أن يمضوا قدما في طريق البحث والتحقيق والاكتشاف حتى يصلوا إلى جانب رقيهم الفكري والمادي وكل أمة تتقاعد عن السباق في حلبة الفكر والتعمق في العلم تصاب مع انحطاطها العقلي بالتقهقر والاضمحلال المادي كذلك ولما كانت الغلبة نتيجة القوى، والهزيمة عاقبة الضعف فإن الأمم المتخلفة من الجهتين المعنوية والمادية كلها تهبط في دركات
¬__________
(¬1) الظاهرة القرآنية

الصفحة 7