كتاب الاعتصام بالإسلام

الضعف والفتور، وتصبح صالحة للعبودية وأكثرها استعدادا للخنوع، إن المسلمين يعانون اليوم من هذه العبودية المضاعفة، فبعضهم توجد فيهم العبودية بنوعيها جميعا، وفي البعض الآخر يقل فيه جانب العبودية السياسية وتوجد فيه جانب العبودية المعنوية، ومن سوء الحظ أنه ليست لهم على ظهر الأرض رقعة إسلامية. واحدة مستقلة تمام الاستقلال من الوجهتين السياسية والمعنوية (¬1).
ويعتبر المسلمون اليوم أن الحق هو ما عند الغرب، والباطل ما يعده الغرب باطلا، والقياس الصحيح للحق والصدق والآداب والأخلاق والإنسانية والتهذيب هو ما يقرره الغرب، ولذلك أصبحوا يقيسون العقيدة الإسلامية والإيمان بالله عز وجل، وأحكام الإسلام بمقياس الغرب، فكل ما يطابق منها مقياس الغرب يطمئنون إليه، أما ما لا يطابقه فيظنونه خطأ وباطلا.
وأن الغلبة والاستيلاء يقوم بنيانه في الحقيقة على الاجتهاد والتحقيق العلمي فكل أمة تسبق غيرها إليه تتولى قيادة العالم وزعامة الأمم وتستولي أفكارها على العقول، وأما الأمة التي تتخلف في هذا الطريق فلا تجد مناصا من اتباع الغير وتقليده إذ لا تبقى في أفكارها ومعتقداتها من القوة والأصالة ما يكسبها السيطرة على الأدهان فيجر فيها تيار الأفكار القوية والمعتقدات الراسخة التي تتقدم بها الأمة الباحثة المجتهدة، كان الفكر الإسلامي غالبا على أفكار النوع الإنساني بأجمعه وكل ما اتخذه الإسلام من المقياس للخير والشر والحسن والقبيح والخطأ والصحيح يكون مقياسا صحيحا عند جميع أهل الأرض.
كل الحضارات التي كانت على وجه الأرض ذابت بكل سهولة في الحضارة الغربية وتلونت بلونها بدون أن يقع بين هذه وتلك كبير احتكاك، ولكن المسلمين كانت حالهم غير حال تلك الأمم جميعا لأنهم حاملو حضارة مستقلة ذات دستور واضح متكامل شامل لجميع شعب الحياة الإنسانية من ناحيتي الفكر والعمل،
¬__________
(¬1) مالك بن النبي

الصفحة 8