كتاب الاعتصام بالإسلام

تختلف اختلافا كليا عن مبادئ الحضارة الغربية فكانت بطبيعة الحال - أن هاتين الحضارتين تتزاحمان في كل مجال.
وتصطدمان على كل صعيد، ولا يزال هذا الصدام قائما بين القوتين إلى هذا اليوم، يؤثر في كل شعبة من شعب حياة المسلمين العلمية والعقائدية أسوأ الآثار.
من القواعد الكلية التي أثبتها القرآن، أن الله تعالى {لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} حتى يهلك أمة بلا سبب، وهي تعمل صالحا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (¬1)، وليس المراد بهذا الهلاك أن تنقلب الأرض على أهلها، بل تتشتت الأمم وتكسر قوتها الاجتماعية، وتضرب عليها الذلة والعبودية والخزي، وحسب القاعدة القرآنية لا يصيب هذا العذاب أمة من الأمم إلا إذا تركت منهج الخير والصلاح، وأخذت تسلك مناهج الشر والفساد، والعتو والطغيان وبذلك ظلمت نفسها بنفسها، وأن الله ما ذكر أمة أصيبت بعذاب إلا وذكر جريمتها ثباتا لتلك القاعدة القرآنية حتى يتبين للناس أن وبال أعمالهم السيئة هو الذي يفسد دنياهم وآخرتهم {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} سورة العنكبوت، ولا يكون هو الفساد الفردي بل هو الفساد الجماعي فالعناية الإلهية هي التي تتصرف في هذه الأمة، ويبدأ المجتمع الفاسد في الهبوط من علياء عزه إلى درك الهوان حتى تحين الساعة التي يهيج فيها غضب الله فيدمرها تدميرا هذا هو سبب الهلاك، إذا أراد المسلمون أن يكون لهم نصر مؤزر وغير هزيل، ومصحوب بالدوام والاستمرار فيحافظوا على الإسلام، وعلى ما جاء به من الوحدة وغيرها، لأن توجيهات القرآن وإرشاداته صريحة في هذا المعنى، ومن خلال انتصار المسلمين في الماضي كانت موافقة لما أمر به القرآن الكريم رغم نقصهم في العدة والعدد، لأن هذه الانتصارات الرائعة التي وقعت للمسلمين على أعدائهم سواء كانت في الماضي
¬__________
(¬1) سورة هود عليه السلام

الصفحة 9