كتاب الدراري المضية شرح الدرر البهية

لكانت الأدلة الداله على المنع من معصية الله تعالى مقيدة للمنع من الوصية في المعصية.
وأما كون الوصية في القرب تكون من الثلث فلحديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما قال: "لو أن الناس غضوا من الثلث فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث والثلث كثير" ومثله حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "الثلث كثير أو كبير" لما قال: له أأتصدق بثلثى مالى؟ قال: "لا" قال: فالشطر؟ قال: "لا" قال: فالثلث قال: "الثلث والثلث كثير أو كبير إنك لأن تذر ورثتك أغنياء خير لهم من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" وهو في الصحيحين وغيرهما وقد ذهب الجمهور إلى المنع من الزيادة على الثلث ولو لم يكن للموصي وارث وجوز الزيادة مع عدم الوارث الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية فقيدتها السنة بمن له وارث فبقي من لا وارث له على الإطلاق وحكاه في البحر عن العترة وقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي زيد الأنصاري أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة وفي لفظ لأبي داود أنه قال صلى الله عليه وسلم لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين وقد أخرج الحديث مسلم رحمه الله وغيره من حديث عمران بن حصين وفي لفظ لأحمد أنه جاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع فقال: "أو فعل لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه".
وأما كونه يجب تقديم قضاء الديون فلحديث سعد الأطول عند أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح أن أخاه مات وترك ثلثمائة درهم وترك عيالا قال: فأردت أن أنفقها على عياله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه" فقال: يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال: "فأعطها فإنها محقة" وليس في ذلك خلاف وقد دل عليه قوله: تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]

الصفحة 427