كتاب الدراري المضية شرح الدرر البهية
وأما كونه فرض كفاية فلما أخرجة أبو داود عن ابن عباس قال: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة:39] {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة:120] إلى قوله: {يَعْلَمُونَ} نسختها الآية التي تلها {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:122] وقد حسنه ابن حجر قال: الطبري يجوز أن يكون {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة:39] خاصا والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع قال: ابن حجر والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة وقد وافق ابن عباس على دعوى النسخ عكرمة والحسن البصري كما روى ذلك الطبري عنهما ومن الأدله الدالة على أنه فرض كفاية أنه كان صلى الله عليه وسلم يغزو تارة بنفسه وتارة يرسل غيره ويكتفي ببعض المسلمين وقد كانت سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه متعاقبة والمسلمون بعضهم في الغزو وبعضهم في أهله وإلى كونه فرض كفاية ذهب الجمهور وقال: الماوردي أنه كان فرض عين على المهاجرين دون غيرهم وقال: السهيلي كان عينا على الأنصار وقال: ابن المسيب أنه فرض عين وقال: قوم أنه فرض عين في زمن الصحابة.
وأما كونه مع كل بر وفاجر فلأن الأدلة الدالة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وعلى فضيلته والترغيب فيه وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلا بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عبادة المسلمين من غير تقيد بزمن أو مكان أو شخص أو عدل أو جور فتخصيص وجوب الجهاد يكون السلطان عادلا ليس عليه أثارة من علم وقد يبلي الرجل الفاجر في الجهاد مالا يبليه البار العادل وقد ورد بهذا الشرع كما هو معروف وأخرج أحمد في المسند في روايه ابن عبد الله وأبو داود وسعيد ابن منصور من حديث أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من أصل الايمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لا تكفره بذنب ولا تخرجة عن الإسلام بعمل والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل" ولا يعتبر في الجهاد إلا أن يقصد المجاهد بجهاده أن تكون كلمة الله هي العليا كما ثبت في حديث أبي موسى في الصحيحين وغيرهما قال: سئل
الصفحة 440
469