كتاب عمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم
والمحدثين وأهل الخير، وصار في آخر عمره يقصده كل أحد، وكان كثير العبادة، دائم التهجد، لم يُرَ مثله، ولم يَرَ مثلِ نفسِهِ.
وقال أبو شَامة: كان شيخ الحنابلة موفق الدين إمامًا من أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين في العلم والعمل، صنف كتباً حساناً في الفقه وغيره، عارفًا بمعاني الأخبار والآثار, سمعت عليه أشياء، وكان بعد موت أخيه أبي عمر هو الذي يؤم بالجامع المظفري، ويخطب يوم الجمعة إذا حضر، فإن لم يحضر، فعبد الله بن أبي عمر هو الخطيب والإمام، وأما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق، فيصلي فيه الموفق إذا كان حاضرًا في البلد، وإذا مضى إلى الجبل، صلى العماد أخو عبد الغني، وبعد موت العماد: كان يصلي فيه أبو سليمان بن الحافظ عبد الغني، ما لم يحضر الموفق، وكان بين العشاءين يتنفل حذاء المحراب، وجاءه مرة الملك العزيز بن العادل يزوره، فصادفه يصلي، فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من صلاته، ثم اجتمع به، ولم يتجوز في صلاته، وكان إذا فرغ من صلاة العشاء الآخرة يمضي إلى بيته بالرصيف، ومعه من فقراء الحلقة من قدره الله تعالى، فيقدم لهم ما تيسر يأكلونه معه.
ومن أظرف ما حكي عنه: أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة فيها رمل يرمل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإجازات وغيرها، فاتفق ليلة خطفت عمامته، فقال لخاطفها: يا أخي! خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها، ورُدَّ العمامة أغطي بها رأسي، وأنت في أوسع الحل مما في الورقة، فظن الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلة،
الصفحة 16
800