كتاب الكلام على مسألة السماع (اسم الجزء: 1)

غير الاستماع، وكذلك فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع، فاستحبوه للمستمع، ومنهم من أوجبه عليه، بخلاف السامع. والسامع هو الذي يصل الصوت إلى مسامعه من دون قصدٍ إليه، والمستمع المصُغِي بسمعه إليه، والأول غير مذموم فيما يذم استماعه، ولا ممدوح فيما يمدح استماعه، وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55]، فمدحهم على الإعراض عنه، ولم يذمَّهم على سماعه إذا كان عن غير قصد منهم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صُبَّ في أذنيه الآنُكُ يومَ القيامة" (¬1). أو كما قال.
وكذلك ما رواه الحافظ أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي في الجزء الثاني من حديثه (¬2): حدثنا أبو نعيم -هو عبيد بن
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (7042) عن ابن عباس. وفي الأصل: "من حديث".
(¬2) هذا الحديث أخرجه بهذا الطريق ابن حزم في "المحلى" (9/ 57)، وقال: هذا حديث موضوع مركب فضيحة، ما عُرِفَ قطُّ من طريق أنس، ولا من رواية ابن المنكدر، ولا من حديث مالك، ولا من جهة ابن المبارك. وكل من دونَ ابن المبارك إلى ابن شعبان مجهولون. قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (5/ 349) معقِّبًا عليه: لم يُصب في دعواه أنهم مجهولون، فإن أبا نعيم ويزيد بن عبد الصمد مشهوران. وقد أخرج الدارقطني الحديث المذكور في غرائب مالك من طريقين آخرين عن أبي نعيم، وقال: تفرد به أبو نعيم عن ابن المبارك، ولا يثبت هذا عن مالك ولا عن ابن المنكدر. وقال الإمام أحمد: هذا حديث باطل. انظر "العلل" رواية المروذي (ص 255) و"المنتخب من العلل" للخلال (ص 43).

الصفحة 287