لتمكن هوى باطن، وغلبة طبع، وهم يظنون غير هذا.
ثمّ ساق من تاريخ الخطيب (¬1) بإسناده إلى أبي نصر (¬2) السراج، قال: حكى لي بعض إخواني عن أبي الحسين الدراج، قال: قصدتُ يوسف بن الحسين الرازي من بغداد، فلما دخلتُ الريّ سألت عن منزله، فكل من أسأله عنه يقول: أَيشٍ تفعل بذلك الزنديق؟ فضيَّقوا صدري حتى عزمتُ على الانصراف، فبِتُّ تلك الليلةَ في مسجد، ثمّ قلت: جئت هذا البلد فلا أقلَّ من زيارته، فلم أسأل عنه حتى دفعتُ إلى مسجد وهو قاعد في المحراب، وبين يديه رجل عليه (¬3) مصحف، وهو يقرأ، فسلمت عليه فردَّ عليّ السلام، وقال: من أين؟ قلت: من بغداد، قصدت زيارة الشيخ، فقال: تُحِسن أن تقول شيئًا؟ فقلت: نعم، فقلت:
رأيتُك تَبنِي دائبًا في قطيعتي ... ولو كنتَ ذا حزمٍ لهدَّمتَ ما تَبني (¬4)
فأطبقَ المصحف، ولم يزل يبكي حتى ابتلَّتْ لحيته وثوبه، حتى رحمتُه من كثرة بكائه، ثمّ قال: يا بُنيَّ! تلوم أهل الري على قولهم: يوسف بن الحسين زنديق؟ ومن وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن، لم يقطر من عيني قطرة، وقد قامت عليَّ القيامةُ بهذا البيت.
¬__________
(¬1) "تاريخ بغداد" (14/ 317). وانظر "اللمع" للسراج (ص 363، 364) و"الرسالة القشيرية" (ص 514، 515) و"إحياء علوم الدين" (2/ 301).
(¬2) في الأصل: "أبي جعفر"، والتصويب من المصادر السابقة.
(¬3) كذا في تاريخ بغداد والقشيرية. وفي اللمع: "وفي حجره"، وفي تلبيس إبليس: "على يديه". وفي الإحياء: "وبيده".
(¬4) البيت للوليد بن يزيد في ديوانه (ص 125).