كتاب الكلام على مسألة السماع (اسم الجزء: 1)

وكم رُكِب به من فرج حرام، وكم استُحِلَّ به من المحارم والآثام، وكم صَدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وكم قطع على السالكين سبيل النجاة، وكم تهافت به فَراشُ العقول والأحلام في الجحيم، وكم فاتها به من حظها من الله وجنات النعيم؟ تالله ما نصبَ صياد بني آدم مثل هذا الشَّرَك لصيد النفوس، ولا أدار على الندامى بعد كؤوس الخمر مثل هذه الكؤوس، وما عَلِقَتْ حبائل هذا الشَّرك بقلبٍ إلا وعزَّ استنقاذُه على الناصحين، ولا أسرَ به من أسيرٍ إلَّا وتعذر فكاكُه على المخلصين.
بَرِئنا إلى الله من معشرٍ ... بهم مرضٌ من سماعِ الغنا
وكم قلتُ يا قومِ أنتم على ... شفا جُرُفٍ فاسْتَهانوا بنا
ولما استمرُّوا على غيِّهم ... رجعنا إلى الله في رُشْدنا (¬1)
فعِشنا على ملة المصطفى ... وماتوا على تَاتِنا تَنْتَنا

فصل
ومن مفاسده: أنَّه يُثقِل على القلوب الفكرَ في معاني القرآن وحقائق الإيمان، فبحسب انصرافه إلي السماع يكون انصرافه عن ذلك، فمستقِلٌّ ومستكثر، وكذلك يُثقِل على اللسان ذكرَ الله، وإن خف الذكر على لسانه كان ذكرًا مجردًا عن مواطأة القلب للسان، وهذا أمر يعلمه السماعي الصادق من نفسه، ولا يمكنه جحده بقلبه، فما اجتمع السماع
¬__________
(¬1) الأبيات في "إغاثة اللهفان" (1/ 226) بلا نسبة. ولعلها للمؤلف. انتهج فيها نهج الأبيات التي أنشدها ابن القشيري في الرد على "الشفا" لابن سينا. انظر "مجموع الفتاوى" (9/ 253) و"الرد على المنطقيين" (ص 510).

الصفحة 66