كتاب الكلام على مسألة السماع (اسم الجزء: 1)

والطهارة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتطهر بعد فراغه (¬1) من الوضوء أن يتشهد، ثم يقول: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" (¬2)، فكمل له مراتب الطهارة باطنًا وظاهرًا.
فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك، وبالتوبة يتطهر من الذنوب، وبالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة. فشرع أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله والوقوف بين يديه، فلما طهر ظاهرًا وباطنًا أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه (¬3)، إذ تخلص من الإباق بمجيئه إلى داره ومحل عبوديته.

ولهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم، والمستحبة عند آخرين، والعبد كان في حال غفلته كالآبق عن ربه، وقد عطَّل جوارحه وقلبه عن الخدمة التي خلق لها، فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه، فإذا وقف بين يديه موقف العبودية والتذلل والانكسار، فقد استدعى عطف سيده عليه وإقباله عليه بعد الإعراض.
¬__________
(¬1) في الأصل: "أن يقول بعد فراغه"، وسيأتي ما يغني عن التكرار.
(¬2) أخرجه الترمذي (55) عن عمر بن الخطاب، وقال: في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب كبير شيء، قال محمد بن إسماعيل البخاري: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا. وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي لوروده من طرق أخرى.
(¬3) بعدها في الأصل: "فلما تطهر ظاهرًا وباطنًا". وهو تكرار.

الصفحة 93