بالنوم رأت منها بحسب استعدادها. ولما كان تجردها بالموت أكمل كانت
علومها ومعارفها هناك أكمل.
وهذا فيه حق وباطل، فلا يرد كله، ولا يقبل كله. فإن تجرد النفس
يطلعها على علوم ومعارف لا تحصل بدون التجرد، لكن لو تجردت كل
التجرد لم تطلع على علم الله الذي [18 ب] بعب به رسوله، وعلى تفاصيل ما
أخبر به عن الرسل الماضية والامم الخالية، وتفاصيل المعاد و شراط
الساعة، وتفاصيل الامر و لنهي والاسماء والصفات والافعال وغير ذلك مما
لا يعلم إلا بالوحي. ولكن تجرد النفس عون لها على معرفة ذلك، وتلقيه
من معدنه أسهل و قرب و كثر مما يحصل للنفس المنغمسة (1) في الشواغل
البدنية.
ومن قائل: إن هذه المرائي علوم يخلقها (2) الله في النفس ابتداء بلا
سبب. وهذا قول منكري الاسباب و لحكم والقوى، وهو قول مخالف
للشرع والعقل و لفطرة.
ومن قائل: إن الرؤيا مثالى مضروبة يضربها الله للعبد بح! سب استعداده
والفه، على يد ملك الرؤيا. فمرة يكون مثلا مضروبا، ومرة يكون نفس ما راه
الرائي، فيطابق الواقع مطابقة العلم لمعلومه. وهذا أقرب من القولين قبله،
ولكن الرؤيا ليست مقصورة عليه، بل لها أسباب (3) أخر كما تقدم: من
(1) في جميع النسخ: " المنعمة "، وهو تصحيف لما اثبتنا من الطبعة الهندية وغيرها.
(2) (ق): " علقها"، تحريف. انظر: فتح الباري (2 1/ 353).
(3) ساقط من (ق).
86