كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن ها هنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلي لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانياً؟ وأفضل الفكر الفكرُ في ذلك؛ فإنه يسيِّر القلب إلى الله، ويطرحه بين يديه ذليلاً خاضعاً، منكسراً كَسْراً فيه جَبْرُهُ، ومفتقراً فقراً فيه غناه، وذليلاً ذلَّاً فيه عِزُّه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل، فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن القاسم: حدثنا صالح المُرِّيُّ، عن أبي عمران (¬1) الجَوْني، عن أبي الجَلد: أن الله تعالي أوحى إلي موسى: "إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعاً مطمئنًّا, وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يديّ فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذُمَّ [27 ب] نفسك فهي أولى بالذم، وناجِني حين تناجيني بقلب وَجِلٍ ولسان صادق" (¬2).
¬__________
(¬1) ح: "ابن أبي عمران".
(¬2) الزهد لأحمد (ص 67)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 148)، ورواه أحمد أيضًا (ص 86 - 87) عن يزيد بن هارون عن صالح به، ورواه أبو نعيم في الحلية (6/ 55) من طريق أحمد عن يزيد وهاشم بن القاسم عن صالح به. ورواه الدينوري في المجالسة (2224) عن إبراهيم بن حبيب عن داود بن رشيد قال: بلغني عن أبي عمران الجوني أنه قال: أوحى الله تبارك وتعالي إلي موسى. . . وذكره بنحوه، ومن طريق الدينوري رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 147).

الصفحة 152